وما أفلح الرومان في وادي الرافدين. بعد مائتي سنة من الإغارات والحروب سلمت رومة إلى سلوقية. وما خلا الجو لسلوقية طويلا. عاد الفرس إلى العراق فاستولوا عليه، واستمرت فيه الدولة الساسانية أربعمائة سنة.
والنزاع بين الشرق والغرب، ذلك النزاع الذي كاد ينتهي بعد واقعة أربيل، تجدد بشكل ديني بين المسيحية والوثنية.
وما الذي أثمر جدال أرباب الدين، المتنطعين والمتعصبين، لخير السواد من الناس، بل لخير الناس جميعا؟ •••
وفي ظلمات الجاهلية، في سماء الحجاز، سطع نور النبوءة، نور دين جديد. ومشى المؤمنون مكبرين، وسلاحهم الإسلام وكلمة التوحيد، فاجتازوا البوادي إلى الأرض الخضراء يرومون الفتح لله، والخلاص للناس. فحملوا على الروم في سوريا، وعلى الفرس في العراق. فكسروا جند هرقل في اليرموك وبددوا جنود فارس في القادسية، وبعد عشر سنوات من وفاة النبي رفعت أعلام العرب فوق قصور فارس، وفوق حصون دولة الروم.
هي نار النزاع بين الشرق والغرب تزداد اضطراما. وهي كذلك أول شعلة من نزاع يجدد بين الساميين والآريين، بين العرب والعجم.
ولكن الإسلام دين التوحيد، ودين العدل والإخاء والمساواة.
المساواة والإخاء في الحروب بين السنة والشيعة! والمساواة والإخاء في الحروب بين التتار والترك والمغول والعرب!
إنما الحكام المسلمون - وخصوصا العرب منهم - يفوقون سواهم في العدل والإنصاف، بل في كرم الأخلاق والمبرات؛ فقد كانوا على الإجمال أكثر حلما وعدلا من أكثر ملوك الفرنجة.
يصح هذا في الخلفاء الراشدين، وفي بعض الخلفاء الأمويين والعباسيين. أما الدولة العباسية في العراق فما كانت، على الإجمال، المثل الأعلى في العروبة، ولا كانت المثل الأعلى في الإسلام. أول خلفائها «السفاح» وآخرهم العاجز المستعصم بالله.
وهرون الرشيد؟
Unknown page