قال: كلا. الفائدة مشتركة متبادلة. وإلا فما معنى العقد، ما معنى المعاهدة؟ قلت: إن وجود قواتنا الجوية في العراق هو لسببين، فينبغي أن أصحح ذلك. إنما هو لثلاثة أسباب. وما السبب الثالث بأقل أهمية من السببين الآخرين. فالقوات الجوية البريطانية في العراق لازمة لتأمين خط المواصلات الإمبراطورية.
ثم تطرقنا في الحديث إلى ميناء البصرة وسكة الحديد وكان قد أنشأهما البريطانيون خلال الحرب العظمى ثم حولا إلى العراق فقال السر فرنسيس: هي مسألة تجارية، محض تجارية. وقد تساهلنا في التسوية الأخيرة تساهلا يذكر. قبلنا في الميناء ما طلبته المعارضة؛ أي أن يكون ملك الحكومة العراقية مباشرة، وأن يكون الثمن اثنين وسبعين لكل من الروبيات (480 ألف جنيه إنكليزي)، ثم جعلنا الفائدة 6 بالمائة غير مركبة لعشرين سنة. وبمثل هذا التساهل تسوت مسألة سكة الحديد التي أصبحت ملكا لحكومة العراق. أما مجلسا الإدارة لشركة الميناء وشركة السكة، فقد جعلنا كلا منهما مؤلفا من خمسة أعضاء: اثنين عراقيين، واثنين بريطانيين ورئيس تعينه الحكومتان بالاتفاق بينهما. إلا أننا طلبنا، لأسباب عملية تقنية، أن يكون مدير سكة الحديد الحالي - وهو إنكليزي - الرئيس الأول لمدة خمس سنوات. ولكان من العدل - ونحن الدائنون - لو طلبنا أن يكون مدير المجلسين من الإنكليز لمدة الدين كلها. ولكننا تساهلنا، حبا بالاتفاق والتعاون. فيليق بالمعارضة أن تقدر - ولو بعض التقدير - هذا التساهل منا. ولما كنا متساهلين لولا أملنا بمستقبل العراق، وثقتنا بحكومته وأهله.
أما الحكومة، مهما كان لونها الحزبي، فإن ثقة السفير بها مبررة، وأما أهل العراق فهم لا يبالون بما يقوله السفراء والوزراء. فإن أنصتوا فهم لا ينصتون لمن يضعون المعاهدات إنصاتهم لمن يصوغون القوافي. كلا، فإن قصيدة حماسية لتهزهم وتستفزهم أكثر من معاهدة سياسية، جلية في عدلها ومنافعها.
أما العراق فحاله
دون التقدم حائل
حق له استقلاله
فنريده ونحاول
الكلمات للزهاوي، والصوت صوته، تعالى في تلك الحفلة الافتتاحية في المعرض، فهدر وصلصل، فضج المكان بالهتاف والتصفيق. والشاعر الزهاوي المقعد المسن إنما هو روح متوهجة تستطيع أن تقذف بنارها في صدور الناس، فتهيج وتبهر وتعمي.
إني أذكره وهو جالس على كرسي على منصة الخطابة، أمام آلة الراديو، يتلو قصيدة موضوعها الربيع. ولكن الموضوع مهما كان لا بد أن يتفتح للوطنية العراقية. إن الزهاوي لسيد موضوعه. فعندما وصل في تمجيد ربيعه إلى العراق - ولا تسل كيف وصل - تأججت تلك النار في صدره، فهزته، فنهضت به، فاستوى على رجليه، ورفع إلى السماء رأسه ويديه، وهو يردد بصوته المجلجل:
حق له استقلاله
Unknown page