أن تعطي؟! ماذا يملك لكي يعطي؟ ... وغص بخيبة لم يتوقعها، فانطفأ بريق عينيه، وقال بصوت كسير متسائلا: ولكن ... ولكن كيف أعطي؟ - ليس المال بالعملة الوحيدة المطلوبة في سوق الفرص، «وتنهد محجوب بصوت مسموع»، ومن سجايا الإنسان ما لا يقوم بمال. المسألة لا تعدو هذا؛ أأنت جسور ذكي حقيق بالطيبات، أم أنت ممن تلقي بهم الأوهام على شاطئ الحياة فتطؤهم النعال كالتراب؟
فلاحت الحيرة في العينين الجاحظتين، حتى خلع الشاب طربوشه ومسح على شعره المفلفل، ثم لبسه بسرعة، وقال: أرجو أن أكون عند حسن ظنك ... - لهذا دعوتك، وما خابت فراستي قط.
ونظر إلى محجوب بعينيه المستديرتين وسأله: أتقبل أن تتزوج؟
فتولته الدهشة، لم يخطر الزواج على بال، فلم ينبس بكلمة، وكان الإخشيدي لا يزال مصوبا إليه عينيه، فقال بلهجة ساخرة: جاء دوري لاستحثاثك. - ألا يمكن أن أعطى مهلة للتفكير؟
فهز الإخشيدي منكبيه استهانة وقال: ظننتك أشد رغبة، لماذا أنتظر؟ يوجد ألف عروس وعروس، ولا بد من اختيار واحد اليوم ... - اليوم؟ - بل الساعة.
فتنهد محجوب، وواتته جسارته المعهودة، فقال بتسليم: إذن قبلت ...
فابتسم الإخشيدي ابتسامة ماكرة، وقال: بداية حسنة، ولكنها ليست كل شيء.
ماذا يريد الشيطان؟ ... ليس الأمر كما حسب أول وهلة، ليس الزواج كل شيء، فماذا تحوي «كل شيء» هذه؟ ... وسمعه يقول بصوته البغيض: ولكني متفائل بجسارتك وبسرعة بتك في الأمور. الوظيفة في مكتبنا هذا، وكنت شاغلها لأسابيع خلت وظيفة سكرتير قاسم بك فهمي.
يا للعجب، أيصدق هذا؟ أيمكن حقا أن يجود الدهر بكل هذه السعادة؟ ولماذا يختاره الإخشيدي وما يعهده ذا مروءة أو أريحية؟ إنه يطالبه - نظير هذه الوظيفة - بالزواج، فأي زواج هذا؟ أجل، أي زواج هذا ... وأخفى حيرته وقال بسرور: يا لها من سعادة كالحلم. جزاك الله عني خيرا.
فابتسم الإخشيدي وقال وقد ازداد اطمئنانا وجسارة: دعني أتكلم عن الزوجة.
Unknown page