Qadim Wa Hadith

Kurd Cali d. 1372 AH
130

Qadim Wa Hadith

القديم والحديث

Genres

هذه خلاصة الكتاب، وفيه من الحث على مساعدة الجمعية ما هو طبيعي، ولكن حسن ظن القوم بي لا يمنعني من النصح لهم، بأن يجعلوها جمعية خيرية مطلقا بدون وضع اسم «السوري» عليها، وأرجو ألا يحمل ذلك على ضعف في الوطنية، بل أن يتدبر القائمون بالأمر فيما أقول.

المسلم السوري هنا لا يعتبر كما يعتبر غيره خصوصا، وهو - كما قلنا - لم يدخل في معترك السياسة المصرية؛ ولذلك ينظر إليه المصري بأنه أخوه ووطنيه يعامله كما يعامل ابن النيل، ويبوح إليه ببثه وحزنه ويصاهره ويعاشره ويرتبط به؛ ولذلك تدعو الحكمة أن يقوم السوري هنا - إن كان لا يرى مندوحة له عن أن يسمي نفسه بهذا الاسم - في جميع أعماله تبعا لأخيه المصري.

ليعمل السوري الخير، ولكن لا على أنه سوري، بل على أنه مسلم أو مصري؛ لأن الأدب يقضي عليه أن يندمج في جسم أخيه المصري لينتفع كلاهما بصاحبه، وما جزاء من يحب إلا أن يحب، ومن أدب الغريب ألا يجهر بأن مصلحته تخالف مصلحة من ينزل عليه.

المسلمون من أهل البلاد المجاورة لمصر ما زالوا منذ القديم يهبطون هذا القطر كسائر الأمم، ولكنهم يندمجون في سلك أهله، ولا يلبثون أن تكون لهم نفس حقوقهم؛ وذلك لما وقر في النفوس من انتفاء الجنسية في الإسلام؛ ولأن من مصلحة النزيل أن يكون تبعا للزميل لا يقاومه في رغباته، بل يخدم الغرض الذي يرمي إليه ما دام الغرض لا يتعدى طور العقل، فيجد النزيل من ابن البلاد كرم الوفادة بما لا يعذر به ابن البلاد نفسها، والغريب بالنظر لنشاطه إذا لزم الأدب مع من ينزل عليه يربح أكثر من حرصه على الأسماء.

وما سورية ومصر إلا بلدان متجاوران، والسوري الذي ينفع مصر مصري والمصري الذي ينفع سورية سوري، والحمد لله أن خلقنا في زمان سقطت معه دولة التحزب للجنسيات، فلم يعد الناس كما كانوا في الأزمان السالفة يعادي بعضهم بعضا في القطر الواحد، بل في البلد الواحد، بل في الحارة الواحدة على أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، اللهم إلا عدم المعرفة بطبيعة الكون ، وطبيعة تنقل الناس في هذه الأرض منذ القديم.

الحمد لله أن جئنا في زمن نسمع فيه أن البشر يفكرون في اختيار لغة واحدة تجمعهم ليتعارفوا بها، وأن يزيلوا الحدود من تخوم الممالك؛ حتى لا يكون بين أمة وأمة ما يصدهما عن الاختلاط وجلب المنافع ودرء المضار.

وإن كل عاقل ليوقن بأن النغمة التي ضرب على وترها بعض السوريين في هذا القطر على عهد انتشار حرية الأقلام لم تكن إلا من باب «خالف تعرف»، أراد بها أربابها التذرع إلى نيل الشهرة أو أغراضا مادية أخرى، ولذلك أخشى أن تكون تلك النغمة التي سكنت نأمتها الآن هي التي بقيت بقاياها في أذهان بعض المسلمين من السوريين، فقاموا اليوم يريدون أن يخرجوا عن الجماعة، ويؤسسوا لأنفسهم جمعية تضم شتاتهم، ولو فعلوا لكان شرها أكثر من خيرها، وعلى الله قصد السبيل.

غوطة دمشق1

إيه، غوطة الفيحاء، مجلى الطبيعة ومغنى الأنس، وروضة الطيبات، ومهبط التجليات، سلام زكي كتربتك المسكية، جميل جمال بسطك السندسية، عطر كأنوار أدواحك الجنية، وتحية طيبة تتساقط على عمرانك، تساقط الوابل والطل على جناتك الغناء، وحراجك الغلباء، وأشجارك الميلاء، وغلاتك الكثيرة الأتاء.

سلام عليك يا مستقر النعماء، وقرارة الهناء والرخاء، وخير خلوة يفزع إلى أرجائها الناسكون والعالمون، ويتقلب في أجوائها عشاق الطرب وأرباب المجون، فيك تتجسم عظمة خالق السماوات إذا بالغ في الإفضال على الأرضين، وتبدو همة الخلق إذا صحت عزائمهم أن يكونوا عاملين لا خاملين، فليس في الأقاليم ما يفوقك باعتدال المواسم، وافترار المباسم، وتلون المظاهر، وتنوع الثمرات والأزاهر، وتلوي الجداول والأنهار، وتجلي الطبيعة في العشايا والأسحار.

Unknown page