فلولا الطائفية، من ينحني أمامهم، ويقبل أياديهم الطاهرة، ويلتمس بركتهم وصلواتهم! ثم إذا ذهبت الطائفية إلى حيث ألقت ... أفلا تلغى مناصبهم الإلهية ولا يبقى مدع عام يطالب الناس بحق الله سبحانه وتعالي.
من كتابك يلوح لي أنك مثقف، فلا بد إذن من أن تكون قد قرأت حكاية الشيطان والكاهن، التي كتبها جبران بقلمه، وهي من أساطيرنا، وهذه هي:
أنهك الشيطان مرض عضال حتى ذبل قرناه وذنبه وجناحاه فارتمى على الطريق وهو يئن، فمر به كاهن ولم يهمه أمره، وأراد أن يتركه يموت على مهله، فصاح به الشيطان: إلى أين أنت ذاهب؟! تعال اعتن بي وداوني، فإذا مت أنا، استغنى الناس عن خدماتك.
أخال أنك لبيب، يا بديع، وقد فهمت المعنى. فالطائفية شيطان منظور فوق الأرض، نراه أنت وأنا، يستعين به عدو البشر الذي لم يره أحد، ولعله متهم بريء.
لا تحاول أن تقنعني بلزومها وضرورتها، وكيف أقنع وأنا قد رأيت وأرى كل الشر فيها، فهي أم الفتن ومنبع البؤس. قد يكون لا غنى للناس عن التطاحن والتناحر؛ لأن ذلك من طبعهم.
فليفعلوا ما شاءوا، فنحن لا نحاول استئصال الشر من جميع القلوب، فما دام في الدنيا منافع فلا بد من التخاصم والتذابح.
لا تخبرني عن حرائق مصر وحلب والشام بل لا تذكرني بها، فأنا أقرأ الجرائد. إن ما حدث هنا وهنالك يحدث مثله كل حين، وهذا كله يزول متى قضي على جذور الطائفية في نفوسنا. عند إخواننا، الجهاد. وعندنا، الاستشهاد. ومن من الفريقين قتل لأجل قداسة السماء!
وبعد، فأنا لا أتوجه في ما أكتب إلى إقليم دون آخر، فكلنا في الهوى سوا. وهذه الدعوة موجهة إلى الجميع، ومن له أذنان للسمع، فليسمع.
يا غيرة الدين! كانوا يستوحون الناس بها يوم كانت الأوطان ضيقة النطاق، أما اليوم، أو بعد وقت قريب جدا؛ فقد تصبح المسكونة كلها وطنا واحدا، ولا يهم البشر إلا الحياة بهدوء وطمأنينة في ظل الكفاف.
هل تظن أن رئيس الولايات المتحدة وملك الجزيرة العربية قد دارت بينهما أحاديث السماء ومن يرثها؟
Unknown page