Taqrīb fatāwā Ibn Taymiyya
تقريب فتاوى ابن تيمية
Publisher
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Edition
الأولى
Publication Year
١٤٤١ هـ
Publisher Location
السعودية
Genres
بَاطِنًا وَظَاهِرًا لِحجَّةٍ أَو حَاجَةٍ، فَالْحُجَّةُ لِإِقَامَةِ دِينِ اللهِ، وَالْحَاجَةُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِن النَّصْرِ وَالرِّزْقِ الَّذِي بِهِ يَقُومُ دِينُ اللهِ، وَهَؤُلَاءِ إذَا أَظْهَرُوا مَا يُسَمُّونَهُ إشَارَاتِهِمْ وَبَرَاهِينَهُم الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُبْطِلُ دِينَ اللهِ وَشَرْعَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْصُرَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ، وَنَقُومَ فِي نَصْرِ دِينِ اللّهِ وَشَرِيعَتِهِ بِمَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن أَرْوَاحِنَا وَجُسُومِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَلَنَا حِينَئِذٍ أَنْ نُعَارِضَ مَا يُظْهِرُونَهُ مِن هَذِهِ المخاريق بِمَا يُؤَيِّدُنَا اللهُ بِهِ مِن الْآيَاتِ.
وَليُعْلَمَ أَنَّ هَذَا مِثْلُ مُعَارَضَةِ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ لَمَّا أَظْهَرُوا سِحْرَهُم أَيَّدَ اللهُ مُوسَى بِالْعَصَا الَّتِي ابْتَلَعَتْ سِحْرَهُمْ.
فَجَعَلَ الْأَمِيرُ يُخَاطِبُ مَن حَضَرَهُ مِن الْأُمَرَاءِ عَلَى السِّمَاطِ بِذَلِكَ، وَفَرِحَ بِذَلِكَ وَكَأَنَّهُم كَانُوا قَد أَوْهَمُوهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُم حَالٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ.
وَحَضَرَ شُيُوخُهُم الْأَكَابِرُ فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ مِن الْأَمِيرِ الْإِصْلَاحَ وَإِطْفَاءَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ويتَرَفَّقُونَ، فَقَالَ الْأَمِيرُ: إنَّمَا يَكُونُ الصُّلْحُ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ.
فَلَمَّا جَلَسْنَا وَقَد حَضَرَ خَلْقٌ عَظِيمٌ مِن الْأُمَرَاءِ وَالْكُتَابِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَضَرَ شَيْخُهُم الْأَوَّلُ الْمُشْتَكِي وَشَيْخ آخَرُ يُسَمِّي نَفْسَهُ خَلِيفَةَ سَيِّدِهِ أَحْمَد وَهُم يُسَمُّونَهُ: عَبْدَ اللهِ الْكَذَّابَ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ ذَلِكَ. وَكَانَ مِن مُدَّةٍ قَد قَدِمَ عَلَيَّ مِنْهُم شَيْخٌ بِصُورَة لَطِيفَةٍ، وَأَظْهَرَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُم مِن الْمَسْأَلَةِ فَأَعْطَيْته طُلْبَتَهُ وَلَمْ أَتَفَطَّنْ لِكَذِبِهِ حَتَّى فَارَقَنِي، فَبَقِيَ فِي نَفْسِي أَنَّ هَذَا خَفِيَ عَلَيَّ تَلْبيسُهُ إلَى أَنْ غَابَ، وَمَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيَّ تَلْبِيسُ أَحَدٍ؛ بَل أُدْرِكُهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ (^١)، فَبَقِيَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي وَلَمْ أَرَهُ قَطُّ إلَى حِينِ نَاظَرْته ذَكَرَ لِي أَنَّهُ ذَاكَ الَّذِي كَانَ اجْتَمَعَ بِي قَدِيمًا، فَتَعَجَّبْت مِن حُسْنِ صُنْعِ اللهِ أَنَّهُ هَتَكَهُ فِي
(^١) هذا من كمال فطنته وفراسته ﵀، وله مثل ذلك وأعظم، كما ذكره تلميذه ابن القيم.
1 / 57