157

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Publisher

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٤١ هـ

Publisher Location

السعودية

Genres

ثُمَّ أَتَى بَعْدُ عُثْمَانَ بْنَ عفان فَجَاءَ الْبَوَّابُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَقَالَ: اُنْظُرْ مَا كَانَت لَك مِن حَاجَةٍ، فَذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضَاهَا لَهُ. ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِن عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَقَالَ لَهُ: جَزَاك اللّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيَّ حَتَّى كَلَّمْتَه فِيَّ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ: مَا كَلَّمْته وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ﷺ يَقُولُ - وَجَاءَهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِة. قُلْت: وَقَد رَوَاهُ النَّسَائِي فِي كِتَابِ (عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) .. وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِن هَؤُلَاءِ -لَا التِّرْمِذِيُّ وَلَا النَّسَائِي وَلَا ابْنُ مَاجَه- مِن تِلْكَ الطَّرِيقِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِيهَا الزِّيَادَةُ. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَو كَانَت ثَابِتَةً لَمْ يَكُن فِيهَا حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا غَايَتُهَا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ ظَنَّ أَنَّ الدُّعَاءَ يُدْعَى بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ؛ بَل بِبَعْضِهِ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ﷺ. وَمِثْلُ هَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ شَرِيعَةٌ كَسَائِرِ مَا يُنْقَلُ عَن آحَادِ الصَّحَابَةِ فِي جِنْسِ الْعِبَادَاتِ أَو الْإِبَاحَاتِ او الْإِيجَابَاتِ أَو التَّحْرِيمَاتِ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ مِن الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَا يَثْبُتُ عَن النَّبِيِّ ﷺ يُخَالِفُهُ لَا يُوَافِقُهُ، لَمْ يَكُن فِعْلُهُ سُنَّةً يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّبُاعُهَا؛ بَل غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، وَمِمَّا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ. وَلهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ: مِثْل مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ، وَيَأْخُذُ لِأذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْعَضُدَيْنِ فِي الْوُضوءِ وَيَقُولُ: مَن اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عُنُقَهُ وَيَقُولُ هُوَ مَوْضِعُ الْغُلِّ، فَإِنَّ هَذَا وَإِن اسْتَحَبَّهُ طَائِفَة مِن الْعُلَمَاءِ اتِّبَاعًا لَهُمَا فَقَد خَالَفَهُم فِي ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا: سَائِرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَضَّؤُونَ هَكَذَا.

1 / 163