Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah
تقريب فتاوى ابن تيمية
Publisher
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٤١ هـ
Publisher Location
السعودية
Genres
وَأَمَّا إذَا قَالَ السَّائِلُ: بِحَقِّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَأُولَئِكَ إذَا كَانَ لَهُم عِنْدَ اللّهِ حَقٌّ أَنْ لَا يُعَذبَهُم وَأَنْ يُكْرِمَهُم بِثَوَابِهِ وَيَرْفَعَ دَرَجَاتِهِمْ - كَمَا وَعَدَهُم بِذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ - فَلَيْسَ فِي اسْتِحْقَاقِ أُولَئِكَ مَا اسْتَحَقُّوهُ مِن كَرَامَةِ اللّهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِمَطْلُوبِ هَذَا السَّائِلِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ مَا اسْتَحَقَّهُ بِمَا يَسَّرَهُ اللّهُ لَهُ مِن الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ مَا اسْتَحَقَّهُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي إكْرَامِ اللهِ لِذَلِكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي إجَابَةَ هَذَا.
وَإِن قَالَ: السَّبَبُ هُوَ شَفَاعَتُهُ وَدُعَاؤُهُ، فَهَذَا حَقٌّ إذَا كَانَ قَد شَفَعَ لَهُ وَدَعَا لَهُ، وَإِن لَمْ يَشْفَعْ لَهُ وَلَمْ يَدْعُ لَهُ لَمْ يَكُن هُنَاكَ سَبَبٌ.
وَإِن قَالَ: السَّبَبُ هُوَ مَحَبَّتِي لَهُ وَإِيمَانِي بِهِ وَمُوَالَاتِي لَهُ، فَهَذَا سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ سُؤَالُ اللّهِ وَتَوَسُّل إلَيْهِ بِإِيمَانِ هَذَا السَّائِلِ وَمَحَبَّتِهِ للّهِ وَرَسُولِهِ، وَطَاعَتِهِ للهِ وَرَسُولِهِ.
لَكِنْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ للّهِ وَالْمَحَبَّةِ مَعَ اللّهِ، فَمَن أَحَبَّ مَخْلُوقًا كَمَا يُحِبُّ الْخَالِقَ فَقَد جَعَلَهُ نِدًّا للهِ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ تَضُرهُ وَلَا تَنْفَعُهُ، وَأَمَّا مَن كَانَ اللّه تَعَالَى أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ وَأَحَبَّ أَنْبيَاءَهُ وَعِبَادَهُ الصَّالِحِينَ لَهُ فَحُبُّهُ للّهِ تَعَالَى هُوَ أَنْفَع الْأشْيَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ مِن أَعْظَمِ الْأُمُورِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أ - تَارَةً يَتَوَسَّل بِذَلِكَ إلَى ثَوَابِهِ وَجَنَّتِهِ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ.
ب - وَتَارَةً يَتَوَسَّلُ بِذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ كمَا ذَكَرْتُمْ نَظَائِرَهُ.
فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَسْأَلُك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: أَنِّي أَسْأَلُكَ بِإِيمَانِي بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ وَأَتَوَسَّلُ إلَيْك بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَد ذَكَرْتُمْ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ.
قِيلَ: مَن أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُصِيبٌ فِي ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَلَامُ مَن تَوَسَّلَ بِالنَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ مَمَاتِهِ مِن السَّلَفِ، كَمَا نُقِلَ عَن
1 / 160