Prohibited Transactions in Hadith
الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها
Publisher
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٣/٢٠٠٢م
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
المجلد الأول
مقدمة
...
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد.
فإن الله ﷿ بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور في جميع شؤون الحياة، فليس دينًا محصورًا في المساجد والزوايا، وإنما دين شامل لكل شيء، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ١.
فما توفي نبينا محمد ﷺ ولحق بالرفيق الأعلى إلا وأكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، وما من خير إلا ودلّ الأمة عليه. وما من شر إلا حذرها منه. ومن هذا معاملات الناس في بيعهم وشرائهم. فقد بيّن الله ﷿ في كتابه، والرسول ﷺ في سنته أصول جميع ما يحتاج الناس إليه في معاملاتهم وما يباح منها وما يحرم، فما من معاملة في أي زمان ومكان إلا ولله ﷿ فيها حكم؛ عرفه من عرفه وجهله من جهله.
ومن ظنّ أن اقتصاد الناس في هذا الزمان يحتاج إلى قانون وتشريع غير تشريع الله ﷿، فقد ضلّ ضلالًا مبينًا. ومن زعم أن التشريع الإسلامي في الاقتصاد لا يصلح للتطبيق في البنوك والمصارف والأسواق الحديثة،
_________
١ الآية (١٦٢) من سورة الأنعام.
1 / 7
الباب الثالث: الأحاديث الواردة في النهي عن بيوع الغرر، وفيه فصول:
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع الغرر.
الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع حبل الحبلة، والمضامين والملاقيح.
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الملامسة والمنابذة.
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحصاة.
الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، والسمن في اللبن.
الفصل السادس: ما ورد في النهي عن الثنيا في البيع إلا أن تعلم.
الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المعاومة والسنين.
الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن البيع بضربة الغائص، وبيع العبد الآبق.
الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع عسب الفحل.
الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع السمك في الماء.
الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يتبين صلاحه.
الباب الرابع: الأحاديث الواردة في النهي عن الشروط في البيع، وفيه فصول:
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الشروط في البيع، وعن بيع وسلف.
الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع العربان.
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيعتين في بيعة.
1 / 8
الباب الخامس: الأحاديث الواردة في النهي عن البيوع الربوية، وفيه فصول:
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الربا والتحذير منه.
الفصل الثاني: ما ورد في الربا في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وما يقاس عليها.
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن المزابنة والمحاقلة.
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع اللحم بالحيوان.
الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع العينة.
الباب السادس: الأحاديث الواردة في النهي عما يلحق الضرر والغبن بأحد المتبايعين، أو كان النهي لأمر آخر مما هو خارج عقد البيع، وفيه فصول:
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن النجش.
الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه، وسوم الرجل على سوم أخيه.
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن الغش في البيع.
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن اليمين الكاذبة في البيع.
الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن التصرية.
الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الحاضر للباد، وعن تلقي الركبان.
الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المضطر.
الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن تفريق الأقارب في البيع.
الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن البيع في المسجد
1 / 9
وهذا الباب هو آخر أبواب الرسالة في موضوع الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها، وقد اجتهدت في حصر هذا الموضوع تحت ستة أبواب، والكمال لله، فإن فاتني شيء فأرجو ممن يطلع على هذه الرسالة أن ينبهني عليه، وجزاه الله خيرًا.
أذكر بعد هذه الأبواب خاتمة أذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث. ثم يلي ذلك الفهارس المساعدة.
ثانيًا: منهجي في جمع وترتيب الأحاديث.
قمت بجمع الأحاديث المرفوعة إلى النبي ﷺ فقط، ولم أدخل في الرسالة الآثار الموقوفة والمقطوعة، وربما ذكرت أثرًا موقوفًا جاء مرفوعًا عند بعض الرواة لأنبه على أنه موقوف وليس مرفوعًا.
وأما الكتب التي اعتمدتها في جمع أحاديث الرسالة، فقد التزمت بذكر جميع ما جاء في الكتب الستة، وأما غيرها من دواوين الحديث فإني قد بذلت الجهد في الوقوف عليها من مظانها، وجعلت المتن الواحد إذا كان واردًا عن صحابيين حديثين أخرّج كلًا منهما على حدة، وأضع له رقمًا خاصًا في الرسالة.
وجعلت لكل حديثٍ رقمين، الرقم الأول هو الرقم العام للحديث في الرسالة، والرقم الثاني بين القوسين هو الرقم الخاص في الفصل الوارد فيه. وفائدة الترقيم الأول معرفة عدد الأحاديث الواردة في الرسالة، وفائدة الترقيم الثاني معرفة عدد الأحاديث الواردة في الفصل. وقد وجدت بعض الأحاديث تشتمل على أكثر من بيع منهي عنه، فذكرت
1 / 10
فقد أعظم على الله الفِرْيَة؛ لأنه قد نسب الله ﷿ إلى الجهل بما يؤول إليه حال الناس - والعياذ بالله -.
وهذا الدين لا يقوم بنشره إلا العلماء وطلبة العلم الذين يبينون للناس أحكام دينهم، وينصحون لهم في توجيههم ودعوتهم، ومن ذلك بيان أحكام المعاملات بين الناس في البيع والشراء، وقد ذمّ الله ﷿ الربانيين والأحبار من أهل الكتاب الذين لم ينهوا قومهم عن أكل المال الحرام من الربا والسحت. قال تعالى: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ ١ ومن المعلوم أن معرفة أحكام البيوع من فروض الكفايات على المسلمين. فأما من كان يشتغل بالبيع والشراء، فيتعين عليه أن يعلم ما يحتاج إليه في معاملاته حتى لا يقع في الحرام وهو لا يشعر. وإن المتأمل في أسواق المسلمين اليوم ومعاملاتهم يرى كثرة ما يقع فيه الناس من المعاملات المحرّمة، وكثير من هؤلاء يقع فيما يقع فيه نتيجة للجهل بأحكام المعاملات.
وقد تقدم أن ما من معاملة إلا وللشرع فيها حكم؛ وبيان ذلك أن الأصل في المعاملات الحلّ إلا ما جاء في الشرع تحريمه - كما سيأتي إن شاء الله -، فعلى ذلك لا تخرج أي معاملة عن أن تكون داخلة في البيوع المنهي عنها، أو تكون مما جاء الدليل بإباحتها، أو مسكوت عنها، فهي مما أباح الله تعالى أيضًا؛ لأنه الأصل في البيوع.
_________
١ الآيات (٦٢،٦٣) من سورة المائدة.
1 / 11
ومما تقدم يتبين أن من أراد أن تكون معاملاته مما أباح الله ورسوله ﷺ، فعليه أن يتجنب ما جاء في الشرع تحريمه منها. وهذا يكون بالرجوع إلى النصوص الواردة في هذا الموضوع.
فانطلاقًا من ذلك كله، ونصحًا للمسلمين استعنت بالله تعالى في جمع الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها والقيام بدراستها دراسة حديثية فقهية، وتقدمت بهذا الموضوع إلى قسم (فقه السنة ومصادرها) في رسالة التخصص الأولى (الماجستير)، وقد سميتها:
(الأَحادِيثُ الوَارِدَةِ في البُيُوعِ المنْهِيِّ عَنْها)
جمع وتخريج ودراسة
أسأل الله ﷿ أن ينفعني بها وإخواني المسلمين.
أولًا: خطة البحث:
جعلت البحث في مقدمة، وتوطئة، وستة أبواب، وخاتمة، ثم الفهارس المساعدة.
- أما المقدمة: فأذكر فيها أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وخطة البحث.
- أما التوطئة: فأذكر فيها تعريف البيع لغة واصطلاحًا، وحكمه في الشرع، والأصل فيه.
1 / 12
- أما أبواب الرسالة الستة فهي:
الباب الأول: الأحاديث الواردة في الأعيان المنهي عن بيعها، وفيه فصول:
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع الميتة والخنزير والأصنام.
الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع الخمر.
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الدم.
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع ما حرم أكله وشربه.
الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام.
الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور.
الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع الحر.
الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن بيع أمهات الأولاد.
الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع المدبر.
الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع الولاء.
الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع القينات.
الفصل الثاني عشر: ما ورد في النهي عن بيع رباع مكة.
الفصل الثالث عشر: ما ورد في النهي عن إضاعة المال.
الباب الثاني: الأحاديث الواردة في النهي عن بيع ما ليس مملوكًا للبائع وقت العقد أو لم يقبضه بعد، وفيه فصول:
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يملك أو لم يقبض.
الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع الماء والكلأ والنار.
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع المغانم قبل أن تقسم، أو بيع الصدقات قبل أن تقبض.
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ.
1 / 13
الحديث في موضع، وأُشير في نهاية أحاديث فصل الموضع الآخر للحديث باختصار، تحت عنوان: (ومما ورد في هذا الفصل أيضًا)، ثم أذكر الأحاديث التي تقدمت أو ستأتي مما لها تعلق بهذا الفصل.
ونظرًا لأن هذه الأحاديث ستذكر أو ذكرت في موضع آخر، فإني وضعت الرقم العام لهذه الأحاديث نقطًا إشارة إلى أن هذه أحاديث مكرره، وأشرت في الحاشية إلى رقم الحديث في الرسالة، ولم أعط له رقمًا عامًا.
ثالثًا: منهجي في تخريج الأحاديث.
قمت بتخريج الأحاديث على قواعد المحدثين، وقد راعيت في التخريج أمورًا منها:
أ - إذا كان الحديث في الصحيحين، فأخرّج الحديث أيضًا من غيرهما، ولا أكتفي بتخريج الحديث من الصحيحين، كما هو معمول به عند بعض الباحثين، وذلك لأسباب:
١ - إن تخريج الحديث من الصحيحين فقط لا يستفاد منه كون الحديث متواترًا أو مشهورًا أو مستفيضًا، فإن هذه الأمور تحصل بجمع طرق وشواهد الحديث من الصحيحين وخارج الصحيحين. وكذلك فإن الالتقاء القريب في الإسناد أولى من الالتقاء البعيد؛ لأن الالتقاء القريب يعني شهرة الحديث في الآفاق، ولا يحصل هذا إن خرجنا الحديث من الصحيحين فقط.
٢ - قد توجد فوائد إسنادية ولفظية في غير الصحيحين، فالاقتصار عليهما تفويت لهذه الفوائد.
1 / 14
٣ - وقد رأيت بعض المخرجين القدامى الذين هم قدوة لنا في هذا الباب لم يقتصروا في تخريج الحديث على الصحيحين إن كان في غيرهما؛ ومنهم الحافظ ابن حجر في كثيرٍ من كتبه، كالتلخيص الحبير، ومن المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني في كتبه؛ كإرواء الغليل وغيره، على أن هناك من المخرجين من اكتفى بالعزو إلى الصحيحين إن كان فيهما أو في أحدهما، ومنهم الحافظ ابن كثير في كتابه تحفة الطالب (انظر: ص١٠٠ منه)، والعراقي في كتابه: طرح التثريب شرح التقريب (انظر: ص١٨ منه)، وهؤلاء كلهم قدوة لنا، إلا أني اخترت الطريق الأولى لأسباب ذكرتها.
ب - إذا كان الحديث في الكتب الستة، فإني لا ألتزم ذكر من رواه غيرهم إذا لم يكن ثمّت فائدة إسنادية أو متنية.
جـ - إن كان مدار إسناد الحديث على راوٍ ما ولو إلى الصحابي، فأبيّن هذا بقولي: رواه فلان وفلان وفلان، كلهم من طرقٍ عن فلان.
ولا أقوم بالتخريج عن طريق الطرق إلا إذا كان هناك اختلاف في طرق الحديث في الإسناد أو المتن.
د - بعد تحديد مدار الحديث يكون النظر فيمن عليه مدار الحديث ومن فوقه، وأغفل من قبلهم؛ لأنه وإن كان الضعف في أحدهم فالآخرون يقوونه كما هو المعروف في المتابعات، هذا إذا لم تكن جميع المتابعات ضعيفة جدًا، وإلا فيكون التخريج عن طريق الطرق كما تقدم.
1 / 15
هـ - تقدم في النقطة السابقة أن النظر يكون فيمن عليهم مدار الحديث، فإن كان فيهم من تكلم فيه أئمة الجرح والتعديل بالضعف أو التدليس أو الاختلاط أو نحو ذلك، ذكرت ذلك بالرجوع إلى أقوال الأئمة المتقدمين في ذلك، وأعقبه بذكر حكم الحافظ ابن حجر، وإن رأيت فيه مخالفة لأقوالهم بينت ذلك.
وأما الرواة الثقات ولا سيما الأثبات المشهورين، فإني لا أترجم لهم إلا نادرًا وأكتفي بالكلام فيمن يحتاج إلى كلام، أو يكون ذكر في الإسناد بكنية أو لقب، فأذكر اسمه كاملًا للتعريف به.
واجتهدت في الوقوف على كلام المتقدمين على الحديث المراد تخريجه، فإن كان موافقًا للحكم الذي توصلت إليه فيكون مقويًا له، وإن كان مخالفًا ناقشته.
ز - فيما يتعلق بكلام العلماء في الراوي جرحًا أو تعديلًا، أعتمد في ذلك على تهذيب التهذيب إن كان من رجاله، وإذا كان هناك حاجة للرجوع إلى المصادر المتقدمة التي نقل منها صاحب التهذيب فعلت ذلك، وإلا اكتفيت بالتهذيب.
ح - في تخريجي للأحاديث والحكم عليها استفدت من مناهج العلماء المعاصرين في تخريج الأحاديث، وهذا في نظري أولى وأفضل من نقل أقوالهم تصحيحًا وتضعيفًا، فإن هذا يحصل بالرجوع إلى أقوال العلماء المتقدمين ودراسة أقوالهم على ضوء قواعد الجرح والتعديل، وعدم نقلي لأقوال العلماء المعاصرين في الحكم على الحديث لا يعني أني لا أعتبر بأقوالهم ولا أستفيد من علمهم، ولكن الأمر هو ما ذكرت.
1 / 16
رابعًا: منهجي في الدراسة الفقهية.
في آخر كل فصلٍ من فصول الدراسة وبعد تخريج الأحاديث الواردة فيه، أذكر الدراسة الفقهية لأحاديث هذا الفصل، وقد راعيت في هذه الدراسة ما يلي:
١ - قمت بكتابة الدراسة الفقهية على طريقة المحدثين، وذلك أني أذكر ما يستفاد من أحاديث الفصل فيما يتعلق بموضوع الباب، ومن قال بذلك، ومن خالفه، فأذكر بعض أدلته مع مناقشتها باختصار.
ولم أعتمد على طريقة الفقهاء والتي تهتم بذكر التفريعات الكثيرة للمسألة الواحدة.
٢ - أقوم في الدراسة الفقهية بالتعريف بصورة البيع المنهي عنه، وذكر أقوال العلماء في ذلك.
٣ - إذا كان هناك خلاف في مسألة من المسائل الواردة في الدراسة الفقهية، فإني أذكر هذا الخلاف باختصار، وأذكر أشهر الأقوال الواردة فيه، مع ذكر الأدلة لكل قول باختصار أيضًا، ثم الترجيح بالدليل.
٤ - أشرت أحيانًا إلى بعض البيوع المعاصرة والتي تلتحق بالبيوع المنهي عنها.
٥ - اعتنيت في الدراسة الفقهية بذكر الحكمة في النهي عن البيع الوارد في الفصل.
٦ - حاولت نقل أقوال الفقهاء من أصولهم في كل مذهب، ولم أنقل من الكتب الفرعية إلا الفوائد العلمية.
1 / 17
وفي آخر الرسالة ذكرت خاتمة بينت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في بحثي هذا، ثم أردفت ذلك بالفهارس المساعدة، وقد عملت فهرسًا للآيات، وفهرسًا للأحاديث، وفهرسًا للرواة الذين لهم ترجمة داخل الرسالة، وفهرسًا للألفاظ الغريبة المعرف بها داخل الرسالة، ثم فهرسًا للمراجع والمصادر، وفي النهاية فهرسًا للموضوعات.
هذا وفي الختام أسأل الله ﷿ أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه، وأن يتقبله مني بقبول حسن، وينفعني به وإخواني المسلمين.
وأسأل الله جل وعلا أن يغفر لوالدي الكريمين، ويرحمهما، إنه هو الغفور الرحيم، وأسأله جل وعلى أن يعلي درجتهما، ويجعلهما من أهل الفردوس الأعلى، وأن يحرم وجوهما على النار، وجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين.
وأتقدم بالشكر والعرفان لمشرفي وشيخي، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور / محمد ضياء الرحمن الأعظمي، الذي كان له الفضل بعد الله ﷿ في توجيهي وإفادتي وإرشادي طيلة إشرافه على هذه الرسالة، وكان لمتابعته المتواصلة لي والملاحظات والتوجيهات السديدة في هذه الرسالة ولا سيما في تخريج الأحاديث والمنهجية الصحيحة فيه أعظم الأثر عليّ. فأسأل الله تعالى أن يجزي الشيخ خير الجزاء وأن يوفقه لما وفق له عباده المقربين، إنه سميع مجيب.
كما أشكر هذه الجامعة المباركة والتي كان لها الفضل بعد الله تعالى عليّ وعلى إخواني من طلبة العلم في هذه الجامعة في الأخذ بأيدينا إلى طريق العلم الصحيح والسبيل القويم.
1 / 18
وأشكر مشايخي الأفاضل الذين تلقيت عنهم العلم في هذه الجامعة المباركة.
كما أشكر كل من قدم لي معروفًا في هذه الرسالة من إعارة كتاب، أو إسداء نصيحة، أو مشورة، أو غير ذلك.
والله أسأل أن يجعلنا من أنصار دينه الذابّين عن سنته الداعين إليه
إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
1 / 19
الباب الأول: الأحاديث الواردة في الأعيان المنهي عن بيعها
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع الميتة والخنزير والأصنام
...
توطئة
البيع لغة: مصدر بعتُ. وهو ضد الشراء. وقد يأتي بمعنى الشراء، فيكون من الأضداد١.
وفي الشرع: مبادلة المال المتقوم بالمال المتقوم تمليكًا وتملّكًا٢.
والبيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع:
- أما الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع﴾ ٣.
- وأما من السنة، فإن النبي ﷺ باع واشترى، وأقرّ المسلمين على بياعاتهم، إلا بيوعًا نهاهم عنها.
- وقد أجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة٤.
- والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض. ففي شرع البيع وتجويزه شرع طريقٍ إلى وصول كل واحدٍ منهما إلى غرضه ودفع حاجته٥.
وأما الأصل في البيع فهو الحل، لقول الله ﷿: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ ٦.قال الشافعي ﵀: " أصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نهى عنه رسول الله ﷺ منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله ﷺ محرم بإذنه داخل في المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه "١.
_________
١ لسان العرب (٨/٢٣)، مادة (بيع)، المطلع على أبواب المقنع (ص٢٢٧) .
٢ التعريفات (ص٤٨) .
٣ سورة البقرة، آية (٢٧٥) .
٤ المغني (٤/٤) .
٥ المرجع السابق.
٦ تقدم تخريجها قريبًا.
1 / 21
الفصل الأول ما ورد في النهي عن بيع الميتة والخنزير والأصنام
١ - (١) عن جابر بن عبد الله ﵄ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول بمكة عام الفتح: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله؛ أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: " لا، هو حرام". ثم قال رسول الله ﷺ عند ذلك: " قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".
أخرجه البخاري١ واللفظ له، ومسلم٢، وأبو داود٣، والترمذي٤، والنسائي٥، وابن ماجه٦، وأحمد٧، كلهم من طرق عن يزيد بن أبي حبيب المصري عن عطاء بن أبي رباح عنه به. قال الترمذي: حسن صحيح.
وجاء في رواية لمسلم وأبي داود وأحمد٨: يزيد بن أبي حبيب أن عطاء كتب يذكر أنه سمع جابر بن عبد الله ... الحديث.
_________
١ صحيح البخاري مع الفتح [كتاب البيوع (٤/رقم ٢٢٣٦)، والمغازي (٨/٤٢٩٦)، التفسير (٨/رقم ٤٦٣٣)] .
٢ صحيح مسلم [كتاب المساقاة (٣/١٢٠٧)] .
٣ سنن أبي داود [كتاب البيوع (٣/٧٥٦، ٧٥٧، ٧٥٨)] .
٤ جامع الترمذي [كتاب البيوع (٣/٥٩١)] .
٥ سنن النسائي [كتاب البيوع (٧/٣٠٩)] .
٦ سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (٢/٧٣٢)] .
٧ مسند أحمد (٣/٣٢٤، ٣٢٦) .
٨ مسند أحمد (٣/٣٢٦) .
1 / 25
وهذه الرواية أخرجها أيضًا البخاري تعليقًا١. وجاء في رواية أخرى لأحمد٢، وهي رواية ابن ماجه: يزيد بن أبي حبيب قال: قال عطاء بن أبي رباح.
فهذه الروايات فيها أن يزيد لم يسمع هذا الحديث من عطاء، والرواية الثانية لأحمد وابن ماجه محتملة. وقد صرح بعدم السماع أبو حاتم الرازي عندما سئل عن هذا الحديث فقال: يزيد بن أبي حبيب عن عطاء هو من حديث محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر عن النبي ﷺ، ولا أعلم يزيد بن أبي حبيب سمع من عطاء شيئًا٣.
إلا أن الروايات التي جاء التصريح فيها بأن عطاء قد كتب بهذا الحديث إلى يزيد تنفي الواسطة بينهما، فهو وإن لم يثبت أنه سمع منه هذا الحديث، إلا أنه قد كتب به إليه، والكتابة من طرق التحمل الصحيحة عند جمهور المحدثين، وعليها العمل عندهم بشروطها٤، ومن هؤلاء المحدثين الإمام البخاري، وتخريجه لهذا الحديث يدل على ذلك، وقد بوب في صحيحه بابًا في الاحتجاج بالكتابة، فقال: باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان٥.
وللحديث طريق أخرى أخرجها أحمد٦، والطبراني في الأوسط٧ عن ابن لهيعة: ثنا جعفر بن ربيعة عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن
_________
١ صحيح البخاري مع الفتح [كتاب البيوع (٤/عقب حديث رقم ٢٢٣٦)] .
٢ مسند أحمد (٣/٣٢٤) .
٣ العلل (١/٣٨٢) .
٤ تدريب الراوي (٢/٥٦) .
٥ صحيح البخاري مع الفتح، كتاب العلم (١/رقم الباب:٧) .
٦ مسند أحمد (٣/٣٤٠) .
٧ المعجم الأوسط (٨/٣٧٣-٣٧٤) .
1 / 26
عبد الله قال: " لما كان يوم فتح مكة اهراق رسول الله ﷺ الخمر وكسر جراره، ونهى عن بيعه وبيع الأصنام".
وفي إسناده ابن لهيعة، وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي المصري.
كان يحيى بن سعيد لا يراه شيئًا.
وقال ابن مهدي: لا أحمل عنه قليلًا ولا كثيرًا.
وقال أيضًا: لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.
وقال أحمد: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرًا مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض. وقال أيضًا: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه.
وأثنى عليه أيضًا ابن وهب، وأحمد بن صالح وغيرهما.
وقد بين أحمد بن صالح أن الضعف في حديثه ليس من قبله، وإنما من قبل الرواة عنه.
وقال عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك، وابن وهب، والمقري.
وقال ابن معين: كان ضعيفًا لا يحتج بحديثه؛ كان من شاء يقول له: " حدثنا".
وضعفه أيضًا أبو حاتم وأبو زرعة، وقالا: أمره مضطرب، يكتب الحديث على الاعتبار.
قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك، فابن لهيعة يحتج به؟ قال: لا.
1 / 27
وضعفه أيضًا ابن سعد، وأبو أحمد الحاكم، ووصفه ابن حبان بالتدليس، وذكر أنه هو السبب في وقوع المناكير في حديثه.
وقد عزى قوم ضعفه إلى احتراق كتبه، ومن هؤلاء: إسحاق بن عيسى، ويحيى بن بكير، والحاكم وغيرهم.
وأنكره ابن أبي مريم وغيره١.
وقد خلص فيه الذهبي إلى أنه ضعيف؛ لاختلاطه بعد احتراق كتبه٢.
وخلص فيه ابن حجر إلى أنه " صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما"٣.
والذي يظهر لي مما سبق من أقوال العلماء أنه ضعيف يعتبر به. ورواية العبادلة عنه أقوى من غيرها، ولكنها مع ذلك فيها ضعف. والله أعلم.
وقد تفرد عبد الله بن لهيعة بالرواية عن جعفر بن ربيعة لهذا الحديث كما قال الطبراني٤، إلا أنه مع ذلك تصلح هذه الطريق للمتابعة. والله أعلم.
- قوله: " إن الله ورسوله حرم" أسند الفعل إلى ضمير الواحد، وهو هنا جائز، ووجهه الإشارة إلى أمر النبي ﷺ ناشئ من أمر الله، قاله ابن حجر ﵀.
قال: وهو نحو قوله: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾، وقد جاء في بعض طرق الحديث في الصحيح " إن الله حرم"، وفي رواية لابن مردويه " إن الله ورسوله حرما"٥.
_________
١ تهذيب التهذيب (٥/٣٧٤-٣٧٩) .
٢ المغني في الضعفاء (١/٣٢٥)، الكاشف (٢/١٢٢)، سير أعلام النبلاء (٨/١٣-١٤) .
٣ تقريب التهذيب. رقم الترجمة (٣٥٦٣) .
٤ المعجم الأوسط (٨/٣٧٤) .
٥ فتح الباري (٤/٤٩٦) .
1 / 28
- قوله: " فإنه يطلى بها السفن" الطلي هو لطخ الشيء بالشيء١.
- قوله: " ويستصبح بها الناس" أي يشعلون بها سرجهم٢.
- قوله: " لا، هو حرام" اختلف في هذا التحريم؛ هل هو للبيع فقط، أم للانتفاع مطلقًا.
ورجح الحافظ ابن حجر٣ ﵀ أن يكون عائدًا إلى البيع.
قال الحافظ: " هكذا فسره العلماء؛ كالشافعي ومن اتبعه"، وقال: " ويؤيد أن التحريم يعود إلى البيع ما جاء في رواية لأحمد لهذا الحديث فيها أن رجلًا قال: يا رسول الله؛ فما ترى في بيع شحوم الميتة؟ ".
ويؤيده أيضًا ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن ابن عباس أنه ﷺ قال وهو عند الركن: " قاتل الله اليهود؛ إن الله حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه"٤.
والمعنى أن الصحابة ﵁ سألوا النبي ﷺ عن شحوم الميتة، - وقد كان مقررًا عندهم أنه يحرم أكل الميتة وأجزائها - إلا أنهم سألوا عن حكم بيعها أو بعضها، لا ما فيه من المنافع؛ ظنًا منهم أن الميتة إنما يحرم أكلها، وأما بيعها أو أجزاء منها فلا يحرم، فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، وذكر لهم أن هذا من جنس احتيال
_________
١ لسان العرب (١٥/١٠) مادة (طلي) .
٢ النهاية في غريب الحديث (٣/٧) .
٣ فتح الباري (٤/٤٩٦) .
٤ فتح الباري (٤/٤٩٦)، وسيأتي تخريج الحديث في موضعه - إن شاء الله - برقم (٣١) .
1 / 29
اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم أذابوها ثم باعوها، والله سبحانه إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه.
- قوله: " إن الله لما حرم شحومها" يشير قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ...﴾ الآية١.
- قوله: " جملوه" جاء في بعض الروايات " أجملوه".
قال ابن الأثير: جملت الشحم وأجملته: إذا أذبته واستخرجت دهنه، وجملت أفصح من أجملت٢.
قال البغوي: فيه دليل على بطلان كل حيلة يحتال بها للتوصل إلى المحرم، وإنه لا يتغير حكمه بتغيير هيئته وتبديل اسمه٣.
٢ - (٢) عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه".
أخرجه أبو داود٤، وهذا لفظه، ومن طريقه الدارقطني٥، والبيهقي٦.
وأخرجه الطبراني في الأوسط٧، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية٨.
_________
١ سورة الأنعام، الآية (١٤٦) .
٢ النهاية في غريب الحديث (١/٢٩٨) .
٣ شرح السنة (٤/٢٢١) .
٤ سنن أبي داود (٣/٧٥٦) .
٥ سنن الدارقطني (٣/٧) .
٦ السنن الكبرى (٦/١٢) .
٧ المعجم الأوسط (١/٤٣) .
٨ حلية الأولياء (٨/٣٢٧) .
1 / 30