Political Alliances in Islam
التحالف السياسي في الإسلام
Publisher
مكتبة المنار الأردن
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٢هـ - ١٩٨٢م
Publisher Location
الزرقاء
Genres
التحالف السياسي
في الإسلام
الطبعة الأولى
١٤٠٢هـ - ١٩٨٢م
منير محمد الغضبان
مكتبة المنار الأردن - الزرقاء
1 / 1
بين يدي البحث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالين. والصلاة والسلام على إمام المجاهدين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.
موضوع البحث هو: في التحالف السياسي، والبناء الداخلي.
ويرد على الخاطر سؤال سريع: لماذا أصبح حديث التحالف السياسي موضوع الساعة؟ خاصة والحركة الإسلامية في الربع الأخير من القرن الماضي كان موضوع الساعة عندها هو التميز والمفاصلة.
ويبدو في النظرة العجلى للأمور أن الموضوعين متناقضان تمام التناقض. فهل انحرفت الحركة الإسلامية عن مسارها الصحيح. حتى استبدلت المفاصلة والتميز بالتحالف؟؟ أبدا. ولكن سنة التطور الربانية هي التي قادت الحركة الإسلامية إلى هذا الموقع.
لقد ابتدأت الحركة الإسلامية مسارها الأول في ظل أنظمة تؤمن بالإسلام عقيدة وتخالفه سلوكا. فكان الطرح الإسلامي المناسب لتلك المرحلة. هو طرح المفهوم المتكامل للإسلام بصفته عقيدة وشريعة ونظام حياة.
واتجهت الكتابات الإسلامية كلها لتثبت للناس أن الإسلام بالإضافة إلى كونه عقيدة. فهو نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يحل مشاكل الحياة برمتها.
وكأن الشعور الخفي لدى الدعاة أن هؤلاء الحكام الذين يجهلون الإسلام سيسارعون إلى تنفيذه منذ لحظات اطلاعهم على هذه المبادئ. وإذا تلكؤوا.
1 / 3
فدافعهم لذلك هو الحرص على المصلحة والمنصب. وكان للإمام الرائد حسن البنا فضل في تحديد المسار والمنطلقات للحركة في تلك الظروف.
وكانت المرحلة الثانية من تاريخ الحركة الإسلامية هي مرحلة المحن الرهيبة التي انقضت عليها ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. فلقد وصل إلى حكم بعض الدول المسماة بالإسلامية والعربية جهات بدأت تطرح بدائل جديدة عن الإسلام، وحتى تفرض هذه المبادئ فرضا كان لا بد من سحق حملة لواء الإسلام. لأن هذه العقائد أعجز من أن تصل إلى ضمير الأمة بالإقناع. فسلكت طريق الإرهاب الدموي.
وإمام هذا الإرهاب العنيف تبنت الحركة الإسلامية مفهوم التميز التام عن هؤلاء الحاكمين الذين أعلنوا تبنيهم لغير شريعة الله، وعن المحكومين الذين قبلوا الاحتكام لغير شريعة الله. وانطلقت هذه الأصوات من قلب المحنة ومن وراء القضبان تؤكد وتصر على هذا المعنى. ولم يكن «الظلال» «وهذا الدين» «والستقبل لهذا الدين» «والمعالم» إلا قمة من قمم هذا الفكر، حيث سارت الكتابات الإسلامية بعدها ضمن هذا الإتجاه. وكان للإمام الشهيد سيد قطب ﵀ دور الريادة في هذا الفكر.
(ثم كانت المرحلة الثالثة) من حياة الحركة الإسلامية حيث تمكنت الحركة من الخطوة الحاسمة في حياتها. أن تتجاوز هذه المحن الرهيبة. وتنتفض من تحت المطرقة والموت في بعض الأقطار، لتحمل السلاح في وجه عدوها، لا مدافعة عن نفسها فحسب. بل مهاجمة هذا العدو تقض عليه مضجعه وتحاصره. لتنتزع منه قيادته الجاهلية بقوة السلاح.
وانطلق التيار الإسلامي مستعصيا على الإبادة والإفناء ماضيا في طريقه فإنما هي إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
1 / 4
ووقف العالم مبهوتا إمام هذه الانطلاقة الإسلامية الواضحة المتميزة التي وصلت أعلى قمم التميز والمفاصلة. حين أعلنت الحرب على الطاغوت في الأرض لتسود شريعة الله.
وكانت حركة الجهاد الإسلامي في سورية هي التي مثلت هذه الصورة.
ونظر الكثيرون إلى الساحة. فرأوا نماذج من التضحية والفداء والشجاعة قادرة حقا وبإذن الله على تحقيق النصر فبدؤوا يتعاملون مع الحركة الإسلامية تعاملهم مع الأنداد وقادة الثورات وبناة الدول. فأمكن في هذه الظروف، ومن أعلى قمم التميز والمفاصلة الحديث عن التحالف بين الاتجاه الإسلامي وغيره. وراح الدعاة ورجال الحركة يبحثون في الفقه الإسلامي والسيرة النبوية صور التحالف المشروعة وغير المشروعة. لأنها غدت موضوع الساعة فلا بد أن تحدد الحركة الإسلامية أعداءها وأصدقاءها وتتعامل معهم على ضوء ذلك.
وإيمانا منا بأهمية هذا الموضوع وخطورته. كان هذا الجهد المتواضع الذي تناول التحالف السياسي في الإسلام من خلال السيرة النبوية، ومدى الاعتماد عليه، وعلى البناء الداخلي للحركة في إقامة دولة الإسلام.
وقد اقتصر البحث على تناول موضوع التحالف في مرحلة الضعف. وفي مرحلة العمل لتأسيس الدولة الإسلامية، لأن هذا هو الموضوع العملي القائم. أما بعد انتصار الإسلام فيمكن البحث عن التحالف في تلك المرحلة، ولن نتعرض لغير السيرة إلا بمقدار الضرورة بإذن الله راجين الله تعالى أن يسدد خطانا إلى الحق، ويجنبنا اتباع الهوى وزلة الفكر وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه وأن يكون في صحائف حسناتنا يوم القيامة إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1 / 5
أولا: الحلف لغة وشرعا:
يقول الإمام اللغوي الفقيه أبو منصور ...:
والحلفاء هم الذين تعاقدوا على التناصر والتمالؤ على من خالفهم.
وبهذا التعريف فقد يكون الحلف بين جماعتين إسلاميتن. وقد يكون بين الجماعة الإسلامية وأي تجمع حتى ولو كان كافرا للتناصر على عدو ثالث.
وإذا رجعنا إلى نصوص السنة لأخذ المعنى الشرعي طالعنا الحديثان التاليان حول الحلف:
ـ[الأول]ـ: روى «مسلم وأبو داود» عن جبير بن مطعم ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة» وقال أبوداود: يريد حلف المطيبين.
وندع شرح هذا النص للإمام المحدث ابن الأثير حيث يوضح لنا غريبه ومعناه (لا حلف في الإسلام) أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله ﷺ لا حلف في الإسلام وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه ﷺ: (وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا
شدة) يريد من المعاقدة على الخير، والنصر للحق، وبذلك يجتمع الحديثان. وقد حالف رسول الله ﷺ في الإسلام
1 / 6
بين قريش والأنصار، يعني: آخى بينهم. وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام، والممنوع منه: ما خالف حكم الإسلام.
ـ[الثاني]ـ رواه عاصم بن سليمان الأحول قال: قلت لأنس: أبلغك أن رسول الله ﷺ قال: لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف رسول الله ﷺ بين قريش والأنصار في داري أخرجه البخاري ومسلم.
وعند أبي داود قال: سمعت أنس بن مالك يقول: حالف رسول الله ﷺ في دارنا، فقيل له: أليس قال رسول الله ﷺ: لا حلف في الإسلام؟ فقال: حالف رسول الله ﷺ بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أو ثلاثا أخرجه البخاري.
ونحن نخلص إلى أن الحظر للحلف في الإسلام هو ما يقوم على الاعتداء على الآخرين وما دون ذلك فهو جائز سواء كان بين فئات من المسلمين أو كان بين المسلمين وغيرهم. فلقد حالف رسول الله ﷺ اليهود يوم دخل المدينة، ثم حاربهم قبيلة قبيلة عندما نقضوا العهد كما بقي عداء قريش مستمرا حتى السنة السادسة ثم تغيرت الخطة بعد السنة السادسة، فحالف قريشا أو صالحها، بينما شن حربه على اليهود في خيبر. ورأيناه في الخندق يحاول شق صفوف العدو بالتعاقد مع غطفان حلفاء قريش، على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة مقابل رجوعها عن حرب المسلمين في الوقت الذي نقض يهود بني قريظة عهدهم مع رسول الله ﷺ، وأنضموا إلى أعدائه
1 / 7
ثانيا: الأحلاف في مرحلة الضعف
أ - حلف الفضول
ما كان لنا أن نتعرض لحلف الفضول. وهو حلف جاهلي في الأصل وقد حضره رسول الله ﷺ قبل البعثة لولا حديث الرسول صلى الله عليه عليه وسلم الذي أسبغ عليه صفة شرعية حيث قال: ... «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت» (١)
أما طبيعة هذا الحلف فكما ذكره ابن اسحاق (٢): (كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة واشتراها منه العاص بن وائل وكان ذا قدر بمكة وشرف. فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف (عبد الدار ومخزوما وجمحا وسهما وعديا) فأبوا أن يعينوه على العاص بن وائل. فعلا جبل أبي قبيس - وقريش في أنديتهم حول الكعبة - فنادى بشعر يصف فيه ظلامته رافعا صوته، فمشى في ذلك (الزبير بن عبد المطلب) وقال: ما لهذا مترك. فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان، فصنع لهم طعاما وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياما، فتعاهدوا وتعاقدوا بالله ليكونن يدا واحدا مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة فسمت قريش ذلك الحلف (الفضول) وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر. ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه وقال الزبير بن عبد المطلب:
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا ... ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه توافقوا وتعاقدوا ... فالجار والمعتر فيهم سالم
_________
(١) رواه ابن إسحاق «صدوق يدلس» محمد بن زيد بن المهاجر «ثقة» عن طلحة بن عبد الله بن عوف «تقة مكثر» وتابعي في الحديث مرسل. ولا يضيره تدليس ابن إسحاق. فابن إسحاق هنا لم يدلس إنما ذكر سنده.
(٢) السيرة النبوية لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب [ص:٢٠].
1 / 8
ونلاحظ في هذا الحلف الملاحظات التالية:
١ - هو حلف قام على أساس قبلي وحضره رسول الله ﷺ بصفته فردا من بني هاشم قبيلته.
٢ - هدف هذا الحلف هو نصرة المظلوم على الظالم وإيصال حقه له. ومع أنه لم يقل: ولو أدعى إلى مثله. فلا ضير في ذلك طالما أن هدفه نصر المظلومين. ونصر المظلوم هدف أساسي في الإسلام.
٣ - ونفهم من هذا أن للحركة الإسلامية حرية التحالف مع أي جهة كانت من أجل نصر المظلومين والدفاع عن حقوقهم.
٤ - بل بتعبير أدق، أن الحوكة الإسلامية لو وصلت إلى الحكم، وكانت الدولة قبلها قد عقدت عهودا أو موثيق هدفها نصر المظلومين. فمن حقها اعتبار هذه العهود والمواثيق سارية المفعول.
ويؤكد لنا رسول الله ﷺ في هذا الحديث. أنه لا يحب أن ينكثه وأن له به حمر النعم.
وكان هذا الحلف بين المطيبين قد أدى إلى انتزاع بعض الميزات من بني عبد الدار وتم توزيعها على بقية القبائل. وكان من نصيب بني عبد مناف السقاية والرفادة. وبقي اللواء وبقيت الحجابة بيد بني عبد الدار. ثم اختصت السقاية والرفادة ببني هاشم. وبنى رسول الله ﷺ آثارا عملية يوم فتح مكة على هذا التحالف.
ونذكر جميعا يوم أخذ رسول الله ﷺ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة العبدري الذي انتهت إليه سدانة الكعبة. وصلى فيها ثماني ركعات صلاة الفتح.
1 / 9
قال علي ﵁: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع الرفادة، وحين يجمع الححابة لبني هاشم يعني هذا نقض الاتفاق الذي تم على آثار هذا التحالف فأجابه ﵊: اليوم يوم بر ووفاء.
ثم نادى: يا عثمان بن طلحة.
فجاء عثمان. فقال له ﵊:
هاك مفتاحك يا عثمان بن طلحة:
يا بني طلحة خذوها خالدة تالدة. لا ينزعها منكم إلا ظالم.
وبذلك أعطى ﵊ هذا التأييد العظيم لحجابة الكعبة لبني عبد الدار بل اعتبر هذا جزءا من الإسلام، حين ألغى كل قيم الجاهلية. وأبقى على حجابة الكعبة. وسقاية ورفادة الحجيج فقال:
ألا كل مأثرة ودم تحت قدمي هاتين إلا الحجابة والرفادة.
وبقيت الحجابة تالدة خالدة لبني عبد الدار. حتى أيامنا هذه. فلا يزال مفتاح الكعبة بيد بني عبد الدار، أو بني طلحة بشكل أخص.
فرسول الله ﷺ يؤكد أنه لن ينكث به. ولو أعطي به حمر النعم.
وهو درس بليغ لنا نحن الدعاة. بحيث نعرف قيمة العهد والميثاق الذي نعطيه حتى ولو لم نبرمه نحن إذا كان فيه رفع مظلمة أو دفع مأثمة.
1 / 10
ب - حلف المطيبين
ما قلناه عن حلف الفضول نقوله عن حلف المطيبين. لأن رسول الله ﷺ ذكر هذا الحلف بقوله: شهدت حلف المطيبين، وما أحب أن أنكثه وأن لي به حمر النعم.
يقول الإمام أبو منصور في كتابه:
قال شمر: سمعت ابن الأعرابي يقول: المطيبون هم خمس قبائل عبد مناف كلها، وزهرة، وأسد بن عبد العزى، وتيم، والحارث بن فهر.
قال: والأحلاف خمس قبائل: عبد الدار، وجمح، وسهم، ومخزوم، وعدي. سموا ذلك لأن بني عبد مناف لما أرادوا أخذ ما في أيدي بني عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية، وأبت بنو عبد الدار، عقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملؤة طيبا فوضعوها لأحلافهم عند الكعبة ثم غمس القوم أيديهم فيها وتعاقدوا ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا فسموا المطيبين.
وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤهم حلفا آخر مؤكدا على أن لا يتخاذلوا فسموا الأحلاف وقال الكميت يذكرهم نسبا:
في المطيبين وفي الأحلاف حل الذؤابة الجمهورا
وشرح ابن الأثير في كتابه القيم جامع الأصول هذا الحلف على الصورة نفسها كذلك. ولعل نظرة عميقة إلى أحداث السيرة النبوية فيما بعد توضح لنا أثر هذا التحالف على خط سير الدعوة. فلقد وجدنا الأحلاف جميعا وهم عبد
1 / 11
الدار وجمح وسهم ومخزوم وعدي من أشد الناس ضد الإسلام لطبيعة هذا التحالف.
فلقد كان بنو عبد الدار حملة لواء المشركين ويكفي أن نذكر أنه قد سقط منهم ثمانية صرعى تحت اللواء في أحد.
ونذكر من زعاء بني جمح أمية بن خلف، وأخاه أبي بن خلف أشقى هذه الأمة الذي قتله رسول الله.
ونذكر من زعاء بني سهم، العاص بن وائل. أحد المستهزئين الخمس في قريش، وهم الذين كفاهم الله تعالى نبيه فأصابهم جميعا بمقتل.
ونذكر من زعماء بني مخزوم، الوليد بن المغيرة أكثر من أنزل الله تعالى قرآنا في هجائه، وابن أخيه، أبو جهل بن هشام، فرعون هذه الأمة.
ونذكر من زعماء بني عدي، عمر بن الخطاب، الذي كان المسلمون يرون من شدته ما دفع بعضهم إلى القول: والله لن يسلم حتى يسلم حمار الخطاب.
والمسلمون الذين أسلموا من هذه القبائل. كانوا يتعرضون لأشد أنواع العذاب من قادة الكفر ورضي الله عمن أسلم
حلف أبي طالب مع رسول الله
ولا بد من ذكر هذا الحلف لأنه انطلق في بداية الأمر من العرف الجاهلي ثم اتخذ صيغة محددة ... هذه الصيغة المحددة قد تمت يوم دعا رسول الله ﷺ عشيرته وطلب منهم النصرة لدين الله وكان هذا على مرحلتين.
1 / 12
المرحلة الأولى:
وقد أوردها ابن الأثير على الشكل التالي:
(وأول ما فعل رسول الله ﷺ بعد نزول هذه الآية (١) أنه دعا بني هاشم فحضروا معهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف. فكانوا خمسة وأربعين رجلا فبادره أبو لهب وقال: هؤلاء بنو عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصباة واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة. وأنا أحق من أخذك فحسبك بنو أبيك. وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب.
فما رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به. فسكت رسول الله ﷺ ولم يتكلم في ذلك المجلس.
ثم دعاهم ثانية وقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شر يك له .. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا) فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به. فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب فقال أبولهب: هذه والله السوأة. خذوا على يديه قبل أن يأخذه غيركم.
فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا (٢).
_________
(١) الآية هي قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ بعد إنهاء المرحلة السرية التي استمرت ثلاث سنوات.
(٢) نقلا عن كتاب: الرحيق المختوم [ص:٩٠] لصفي الدين المباركفوري الأعظمي.
1 / 13
هذه هي المرحلة الأولى التي أعلن فيها أبو طالب استعداده لمنع الاعتداء عن رسول الله ﷺ وحمايته بصفته زعيما لبني هاشم.
المرحلة الثانية:
كانت يوم أن اشتدت الأزمة بين قريش وأبي طالب وأحس أبو طالب بضراوة المعركة فاستدعى الرسول ﷺ للمناقشة في هذا الأمر وذلك كما أورده ابن إسحاق في السيرة:
(ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا. وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين).
فالصورة الجديدة هنا تهديد بشن الحرب على أبي طالب إن استمر في حلفه وحمايته لابن أخيه. فأراد أبو طالب أن يحدد هذه الحماية بأن يكف محمد ﷺ عن شيء من دينه، فاستدعاه وقال له:
يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا للذي كانوا قالوا له.
فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله ﷺ أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته، فقال رسول الله ﷺ:
يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته. ثم استعبر رسول الله ﷺ فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال:
أقبل يا ابن أخي، فأقبل رسول الله ﷺ فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت. فوالله لا أسلمك لشيء أبدا (١).
_________
(١) تهذيب السيرة لابن هشام ط - دار البحوث العلمية [ص:٥٨].
1 / 14
ونحن هنا أمام صيغة جديدة طلب فيها أبو طالب ربط حمايته للرسول ﷺ بتقييد حرية الدعوة أو التخلي عن شيء من هذا الدين. فرفض رسول الله ﷺ النصرة على هذا الأساس وتخلى عنها. وتراجع أبو طالب فوافق على الحماية والمنعة بدون قيد أو شرط.
ولا بد للإشارة أن هذا الأمر تم مع بقاء أبي طالب على شركه. ونفذ تعهده كاملا. قال مقاتل: كان رسول الله عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون بالنبي سوءا فقال أبو طالب:
حين تروح الأبل فإن حنت ناقه إلى غير فصيلها دفعته إليكم، ثم قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... (وابشر وقر بذاك عيونا)
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا
ورغم كفره فهو لم يباد الإسلام بسوء ووضع إمكانياته وثقله في جانب الإسلام.
المرحلة الثالثة
وهي التي انضم فيها بنو هاشم وبنو المطلب صفا واحدا لحماية رسول الله ﷺ ومنعته وذلك بدعوة رسمية وجهت لهم من أبي طالب قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري:
(إنهم أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله ﷺ علانية فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله ﷺ شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله، فمنهم من فعل ذلك حمية ومنهم من فعل ذلك يقينا. (١)
_________
(١) عن السيرة النبوية لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب [ص:٩٣] ط دار العربية.
1 / 15
أما قضية القتل فقد طلبت علانية من أبي طالب حين طلب منه أهل مكة أن يسلم محمدا ﷺ مقابل استلام عمارة بن الوليد فكالت جوابه: تعطوني ابنكم أغذيه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه.
وهنا ظهر مستوى الأعراف والأحلاف الجاهلية التي كانت بمثابة القانون الحتمي عندهم لقد طالب بنو عبد مناف أربعة هم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس.
وكانوا في الأصل يمثلون حلفا واحدا ضد بني عمهم بني عبد الدار. هو حلف المطيبين وكان المفروض أن تكون عشائر حلف المطيبين صفا واحدا. وهي التي ركز عليها أبو طالب. غير أن عشيرتين لم تنضما لحماية الرسول ﷺ. من حلف المطيبين هما بنو نوفل وبنو عبد شمس. وقد ظهر هذا واضحا عندما قال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف لأبي طالب عقب عرض المبادلة بين محمد ﷺ وعمارة بن الوليد:
والله يا أبا طالب، لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا. فقال: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي. فاصنع ما بدا لك.
والمطعم زعيم بني نوفل. وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان زعيما بني عبد شمس. وقال أبو طالب وهو يعرض بهذا التخلي عن نصرة النبي ﷺ:
أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا: إلي غيرنا الأمر
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
1 / 16
هما أغمرا للقوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم وألفهما صفرا (١).
صحيح أن رسول الله ﷺ ليس هو الذي يقود الحلف أو يفاوض فيه، ولكن أبا طالب دعا إلى نصرته ومنعته انطلاقا من هذه القرابة وهذا الحلف. وبقي بنو هاشم وبنو المطلب حلفا واحدا وراء الرسول ﷺ أما بنو عبد شمس وبنو نوفل فقد تخليا عن النصرة، غير أنهما لم يعاديا رسول الله ﷺ كما فعل أصحاب الحلف الآخر وعلى رأسهم بنو مخزوم وبنو عبد الدار وبنو عدي وبنو سهم.
لقد استطاع الرسول ﷺ بتعبيرنا المعاصر أن يجعل بني نوفل وبني عبد شمس على الحياد. ونجح في ذلك أيما نجاح. فقد خاض عتبة بن ربيعة، زعيم بني عبد شمس، في بداية الأمر حربا عنيفة ضد النبي ﷺ، مثل أبي لهب، دون أن يرعى حرمة القرابة. ولكن عندما تلا عليه النبي ﷺ صدر سورة فصلت اتخذ موقفا حياديا من الحرب ضده فقال: يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي. خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ. فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم. وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك يا أبا الوليد بلسانه!! قال: هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم (٢).
وكان أبو سفيان الزعيم الثاني لبني عبد شمس يتهرب من المعركة بكثرة الأسفار خارج مكة ابتغاء التجارة. وهذا ما أشار إليه أبو طالب في قصيدة أخرى يعرض فيها بتهربه. المهم أننا أمام أعراف قبلية مرتبطة بحلف وثيق تخلى بعضهم عنه، واستجاب بعضهم الآخر. ولنذكر في هذا المجال أن الحلف كله
_________
(١) السيرة النبوية لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب [ص:٩٢].
(٢) تهذيب سيرة ابن هشام [ص:٦٤ - ٦٥].
1 / 17
كان لمصلحة النبي ﷺ ونصرته، دون أي تنازل مبدئي يقدمه لهم؛ إنما كانت حصافتة السياسية وحنكته تدفعهم إلى هذه المواقف.
فلنقف قليلا أمام هذه الحصافة مع رواية ابن إسحاق المذكورة عن لقاء عتبة برسول الله ﷺ. رواية أخرى أوثق في مسند عبد بن حميد وأبي يعلى عن جابر بن عبد الله ﵁ قال:
اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه. فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة. فقالوا: أنت يا أبا الوليد. فأتاه عتبه فقال. يا محمد، أنت خير أم عبد الله (يعني أبا رسول الله ﷺ فسكت رسول الله ﷺ، فقال أنت خير أم عبد المطلب؟. فسكت رسول الله ﷺ. قال فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت. وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك. إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك. فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب. لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض في السيوف حتى نتفانى. أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش. وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا!! فقال رسول الله ﷺ: فرغت؟! قال: نعم. فقرأ رسول الله ﷺ.
(بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم) .. حتى بلغ (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود). فقال عتبة: حسبك حسبك. ما عندك غير هذا؟ قال لا.
1 / 18
فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئا إنكم تكلمونه به إلا كلمته (١). فرسول الله ﷺ لم يخض معركة جانبية حول أفضليته على أبيه وجدة أو أفضليتهما عليه. ولو فعل ذلك لقضي الأمر دون أن يسمع عتبة شيئا.
ولا خاض ﷺ معركة جانبية حول العروض المغرية، وغضبه الشخصي لهذا الاتهام. إنما ترك ذلك كله لهدف أبعد. وترك عتبة يعرض كل ما عنده حتى انتهى.
وبلغ من أدبه ﷺ أن قال: أفرغت يا أبا الوليد؟ فقال: نعم.
لقد كان الهدف الأبعد لرسول الله ﷺ في هذه المرحلة تبليغ الدعوة. وعتبة مختار قريش للمفاوضة، فهو أعلمها بالسحر والشعر والكهانة. ولو انشغل النبي ﷺ في أية معركة جانبية مما ذكرنا لامتنع عليه تحقيق هدفه.
والخطة السياسية الحكيمة للحركة الإسلامية تقتضي منها هذا الاقتداء وهذه الحصافة، بحيث تبلغ هدفها الذي تريد دون أن تستهلك بمعارك جانبية. وتقتضي منها كذلك تحييد من تستطيع من العدو. فإن عتبة وإن لم يسلم فقد انسحب من المعركة. وانسحابه يعني انسحاب عشيرته من خلفه.
المرحلة الرابعة: حصار الشعب.
كان ذلك ردا على التحالف العلني الذي قام بين بني هاشم وبني المطلب، مسلمهم ومشركهم لحماية الرسول ﷺ: (فلما رأت
_________
(١) السيرة النبوية لابن محمد بن عبد الوهاب [ص:٩٣].
1 / 19
قريش ذلك «من شأن الحلف المذكور» اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا على بني هاشم وبني المطلب ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوا منهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله ﷺ للقتل) (١).
ولم تفلح هذه التهديدات وهذا التحالف الجديد في ثني بني هاشم وبني المطلب عن حمايته ﷺ.
قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب:
فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم إلى أبي طالب فدخلوا معه شعبه. فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا، وقطعت قريش على ذلك عنهم الأسواق حتى كان يسمع أصوات نسائهم وأبنائهم يتضاغون وراء الشعب من الجوع واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا.
وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله ﷺ فاضجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله. فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه فاضجع على فراش رسول الله ﷺ، وأمر أن يأتي بعض فرشهم ...)
وعودة إلى الحلف السابق
لم يستطع أبو طالب أن يقاوم هذا التحالف الباغي إلا بالحرب السياسية من جهة ومحاولة تفتيت هذا التحالف فعمل قصيدته - اللامية المشهورة:
_________
(١) السيرة النبوية لابن محمد بن عبد الوهاب [ص:٩٣].
1 / 20
ولما رأيت القوم لا ود عندهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد حالفوا قوما علينا أضنة ... يعضون غيظا خلفنا بالأنامل (١)
وبعد أن يعوذ برب الناس وبجبل ثور وبالبيت الحرام وبالحجر الأسود وبالمشعر الحرام وبحجيج البيت. يعلن أنه لن يتخلى عن رسول الله ﷺ ولو قتلوا جميعا.
كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونظعن إلا أمركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبزى (٢) محمد ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع دونه ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد ...إليكم نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل (٣)
وأما سبب هذا الموقف فهو أن محمدا سيد بني هاشم وعزيز مكة.
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار غير درب مواكل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال (٤) اليتامى عصمة للأرامل
تلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عبده في رحمة وفواضل
إنها من أروع ما جادت به الأخلاق الجاهلية أن يقبل مشركو بني هاشم وبني المطلب كل هذا العذاب والجوع والخوف ثلاث سنوات متواصلات حماية لسيدهم رسول الله ﷺ وهم على غير دينه.
_________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٢٤٥.
(٢) نبزى: نسلب ونغلب.
(٣) الروايا: الابل تحمل الماء.
(٤) ثمال اليتامى: من يتولى أمرهم ويعنى بهم. والصلاصل: المزادات يسمع لها صلصل.
1 / 21