Permissibility of Wiping Over Socks and Shoes
تحقيق المسح على الجوربين والنعلين
Investigator
المحدث ناصر الدين الألباني
Publisher
المكتب الإسلامي
Publisher Location
بيروت
Genres
المسح على الجوربين والنعلين
تأليف علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي
قدم له العلامة أحمد محمد شاكر
حققه المحدث ناصر الدين الألباني
المكتب الإسلامي
1 / 1
بيان أن مرد الأحكام الشرعية هو الكتاب الكريم لأنه أصل الأصول
اعلم أن اصل كل حكم شرعي هو الكتاب الكريم لأنه اصل الأصول ومأخذ المآخذ وكلي الكليات فلا يمكن لحكم ما من الأحكام الشرعية إلا وأن يرجع إليه ويصدر منه حتى إن السنة النبوية أصلها كتاب الله تعالى لأنها تفصيل لمجمله وإيضاح لمبهمه وطريق من طرق الاستنباط منه. فكل سنة بحث عن أصلها باحث خبير فإنه يجدها في كتاب الله تعالى مدلولا عليها إما من نص آية أو ظاهرها أو مفهومها أو إشارتها أو عمومها إلى غير ذلك من وجوه الاستنباط التي يعلمها المجتهد ويذكر بعضها في فن الأصول
إذا علمت ذلك فمسألتنا هذه - مسألة المسح على الجوربين - أصلها في الكتاب الكريم إما من عموم المسح في آية الوضوء وإما من عمومات أخر
فأما (العموم الأول) فسنده قراءة الجر في قوله تعالى:
[٢٥]
﴿وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم﴾ فإن ظاهرها أن الفرض في الرجلين هو المسح كما روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعكرمة والشعبي وقتادة وجعفر الصادق وعلماء سلالته رضي الله عن هم أجمعين. فعلى مذهب هؤلاء الأئمة يكون مفاد الآية وجوب المسح على الرجلين مباشرة أو بما عليها من خف أو جورب أو تساخين (١) فيظهر كون الآية مأخذا للسنة على هذه القراءة وأما على قول الجمهور: إن فرض الرجلين هو الغسل وصرف قراءة الجر إلى قراءة النصب - بالأوجه المعروفة في مواضعها - فيكون مأخذ مسح الجوربين من الكتاب العزيز (عمومات أخر) في آياته مثل آية ﴿وما أتاكم الرسول فخذوه﴾ وآية ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ وآية ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني﴾ وآية ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ ونظائرها مما لا يحصى. وقد تعدد وجوه الاستنباط ويترجح بعضها بقوة التفرع والارتباط ولا يخفى وجوه التراجيح على الراسخين والله الموفق والمعين
﴿وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم﴾ فإن ظاهرها أن الفرض في الرجلين هو المسح كما روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعكرمة والشعبي وقتادة وجعفر الصادق وعلماء سلالته رضي الله عن هم أجمعين. فعلى مذهب هؤلاء الأئمة يكون مفاد الآية وجوب المسح على الرجلين مباشرة أو بما عليها من خف أو جورب أو تساخين (١) فيظهر كون الآية مأخذا للسنة على هذه القراءة وأما على قول الجمهور: إن فرض الرجلين هو الغسل وصرف قراءة الجر إلى قراءة النصب - بالأوجه المعروفة في مواضعها - فيكون مأخذ مسح الجوربين من الكتاب العزيز (عمومات أخر) في آياته مثل آية ﴿وما أتاكم الرسول فخذوه﴾ وآية ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ وآية ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني﴾ وآية ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ ونظائرها مما لا يحصى. وقد تعدد وجوه الاستنباط ويترجح بعضها بقوة التفرع والارتباط ولا يخفى وجوه التراجيح على الراسخين والله الموفق والمعين
1 / 25
(١) خالف الشيعة في هذا فلم يجوزوا المسح على خف ولا جورب ولا تساخين
[٢٦]
بيان الأحاديث المرفوعة إلى النبي ﷺ في المسح على الجوربين والنساخين اعلم أن أحاديث هذا الباب منها ما يستفاد جواز المسح على الجوربين من عمومه ومنها ما يستفاد من خصوصه فمن (النوع الأول) وهو ما يستفاد من عمومه وإطلاقه جواز المسح على الجوربين حديث ثوبان رضي الله عن هـ قال الإمام أحمد ﵀ في مسنده (١): في مسند ثوبان رضي الله عن هـ: حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: (بعث رسول الله ﷺ سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي ﷺ شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين) رواه أبو داود في (سننه) قال العلامة ابن الأثير في (النهاية): (العصائب) هي العمائم لأن الرأس يعصب بها و(التساخين) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها أقول: رجال هذا الحديث ثقات مرضيون ما يعلم من مراجعة أسمائهم من كتب الرجال ومن (النوع الثاني) وهو ما ورد نصا في الجوربين
بيان الأحاديث المرفوعة إلى النبي ﷺ في المسح على الجوربين والنساخين اعلم أن أحاديث هذا الباب منها ما يستفاد جواز المسح على الجوربين من عمومه ومنها ما يستفاد من خصوصه فمن (النوع الأول) وهو ما يستفاد من عمومه وإطلاقه جواز المسح على الجوربين حديث ثوبان رضي الله عن هـ قال الإمام أحمد ﵀ في مسنده (١): في مسند ثوبان رضي الله عن هـ: حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: (بعث رسول الله ﷺ سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي ﷺ شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين) رواه أبو داود في (سننه) قال العلامة ابن الأثير في (النهاية): (العصائب) هي العمائم لأن الرأس يعصب بها و(التساخين) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها أقول: رجال هذا الحديث ثقات مرضيون ما يعلم من مراجعة أسمائهم من كتب الرجال ومن (النوع الثاني) وهو ما ورد نصا في الجوربين
1 / 26
(١) انظر المسند ٥ / ٢٧٥ وقد طبعه المكتب الإسلامي طباعة أنيقة في ست مجلدات
[٢٧]
حديثنا المغيرة وأبي موسى. (فأما حديث المغيرة) فرواه الإمام أحمد في (مسنده) - في مسند الكوفيين - في حديث المغيرة بن شعبة قال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل (١) بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة (أن رسول الله صلى توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) ورواه أبو داود في (سننه) في (باب المسح على الجوربين) وأخرجه الترمذي وابن ماجه كلاهما في (باب المسح على الجوربين والنعلين) وأما (حديث أبي موسى) فوراه ابن ماجه في (سننه) قال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب (٢) عن أبي موسى الأشعري (أن رسول الله ﷺ توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) ذكر ما ورد على هذه الأحاديث الثلاثة من الشبه والجواب عنها الشبهة الأولى: قالوا: في إسناد حديث ثوبان (الأول) راشد بن سعد
حديثنا المغيرة وأبي موسى. (فأما حديث المغيرة) فرواه الإمام أحمد في (مسنده) - في مسند الكوفيين - في حديث المغيرة بن شعبة قال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل (١) بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة (أن رسول الله صلى توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) ورواه أبو داود في (سننه) في (باب المسح على الجوربين) وأخرجه الترمذي وابن ماجه كلاهما في (باب المسح على الجوربين والنعلين) وأما (حديث أبي موسى) فوراه ابن ماجه في (سننه) قال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب (٢) عن أبي موسى الأشعري (أن رسول الله ﷺ توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) ذكر ما ورد على هذه الأحاديث الثلاثة من الشبه والجواب عنها الشبهة الأولى: قالوا: في إسناد حديث ثوبان (الأول) راشد بن سعد
1 / 27
(١) بالزاي كزبير تابعي أدرك الجاهلية (قاموس)
(٢) براء ثم زاي كجعفر تابعي (قاموس)
[٢٨]
عن ثوبان وقد قال الخلال في علله: إن أحمد بن حنبل قال: لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما ا. هـ. أي فيكون معللا بالانقطاع لسقوط راو بين راشد وثوبان و(الجواب) أن هذا إنما يأتي على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع. وقد أنكر الإمام مسلم ذلك في مقدمة صحيحه إنكارا شديدا ورأى أنه قول مخترع وأن المتفق عليه أن يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع (١) وعليه فالانقطاع في الحديث غير مقطوع به ويرجع الأمر إلى رجال سنده فإذا كان رجاله ثقات كان صحيحا أو حسنا جيدا صالحا للاحتجاج به ولذا أخرجه الإمام أحمد في (مسنده) معولا على الاحتجاج به وتبليغه سنة يعمل بها. وخرجه أيضا أبو داود وسكت عليه وما سكت عليه فهو
عن ثوبان وقد قال الخلال في علله: إن أحمد بن حنبل قال: لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما ا. هـ. أي فيكون معللا بالانقطاع لسقوط راو بين راشد وثوبان و(الجواب) أن هذا إنما يأتي على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع. وقد أنكر الإمام مسلم ذلك في مقدمة صحيحه إنكارا شديدا ورأى أنه قول مخترع وأن المتفق عليه أن يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع (١) وعليه فالانقطاع في الحديث غير مقطوع به ويرجع الأمر إلى رجال سنده فإذا كان رجاله ثقات كان صحيحا أو حسنا جيدا صالحا للاحتجاج به ولذا أخرجه الإمام أحمد في (مسنده) معولا على الاحتجاج به وتبليغه سنة يعمل بها. وخرجه أيضا أبو داود وسكت عليه وما سكت عليه فهو
1 / 28
(١) قلت: وهذا الإمكان متحقق فقد ذكر البخاري أن راشد بن سعد شهد صفين مع معاوية ومن المعلوم أن وقعة صفين كانت سنة (٣٦) . ووفاة ثوبان سنة (٥٤) . فقد عاصره (١٨) سنة. وإذا تذكرنا أن العلماء وثقوه - دون خلاف يذكر وأنه لم يرم بالتدليس ينتج من ذلك أن الإسناد متصل وأن إعلاله بالانقطاع مردود لأنه قائم على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع. وهو مرجوح كما أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى. ومما يقوي ما ذكرنا أن البخاري أثبت سماع راشد من ثوبان كما تقدم في كلام أحمد شاكر رحمه الله تعالى وذلك دليل قاطع على لقيه إياه لأن البخاري رحمه الله تعالى من القائلين باشتراط ثبوت السماع في الاتصال وأنه لا يكفي فيه المعاصرة فتأمل
[٢٩]
صالح للاستدلال به. إذ لا جرح في رواته ولا علة ظاهرة فيه فاستوفى شروط الحسن. والحسن كالصحيح في الاحتجاج به والعمل بما فيه. وبالجملة فقصارى أمر هذا الحديث أن يكون حسنا وصالحا ويكفي ذلك على أن مجرد الانقطاع ليس قادحا فقد وقع في مسلم بضعة عشر حديثا منقطعة وإن تبين وصلها من وجه آخر لأن مقطوع الثقة ليس كغيره ولذلك قبل من المراسيل مراسيل الثقات كما تقرر في موضعه (١) وتسميتنا لذلك بالحسن جري على قول بعضهم - كما في التدريب - إن الحسن هو الذي فيه ضعف قريب محتمل. وعلى قول البغوي: إن ما في السنن من الحسان فإن هذين القولين متجهان فيما نراه وإن اشتهر تفسير الحسن بغيرهما قال الإمام النووي في (التقريب): وقد جاء عن أبي داود أن يذكر في (سننه) الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما
صالح للاستدلال به. إذ لا جرح في رواته ولا علة ظاهرة فيه فاستوفى شروط الحسن. والحسن كالصحيح في الاحتجاج به والعمل بما فيه. وبالجملة فقصارى أمر هذا الحديث أن يكون حسنا وصالحا ويكفي ذلك على أن مجرد الانقطاع ليس قادحا فقد وقع في مسلم بضعة عشر حديثا منقطعة وإن تبين وصلها من وجه آخر لأن مقطوع الثقة ليس كغيره ولذلك قبل من المراسيل مراسيل الثقات كما تقرر في موضعه (١) وتسميتنا لذلك بالحسن جري على قول بعضهم - كما في التدريب - إن الحسن هو الذي فيه ضعف قريب محتمل. وعلى قول البغوي: إن ما في السنن من الحسان فإن هذين القولين متجهان فيما نراه وإن اشتهر تفسير الحسن بغيرهما قال الإمام النووي في (التقريب): وقد جاء عن أبي داود أن يذكر في (سننه) الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما
1 / 29
(١) قلت: بعد أن عرفت صحة إسناد الحديث واتصاله فلا أرى من المفيد التوسع في تطريق الاحتمالات البعيدة في سبيل الدفاع عنه فغن المتقرر في علم المصطلح هو أن الحديث المنقطع من أنواع الحديث الضعيف لجهالة الراوي الساقط ولا أعلم أحدا من المصنفين في المصطلح صرح بقبول مراسيل الثقات هكذا مطلقا بل فيه خلاف مشهور مذكور في محله وما ذكره من الأحاديث المنقطعة في (مسلم) لا ينفي القدح المذكور ما دام أنه تبين وصلها من وجه آخر وإلا فلولا ذلك لثبت القدح فتأمل
[٣٠]
كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح (قال النووي): فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود لأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما بل قال ابن رشيد: إنما سكت عليه (أبو داود) قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن كذلك عند غيره (١) (انظر التدريب) وبعد فإن رجال حديث ثوبان كلهم ثقات مرضوين كما يعلم من مراجعة أسمائهم من طبقات الرجال وقد عرفت الجواب عن شبهة الانقطاع فيه فقوي وحسن وصلح للاحتجاج به. والحمد لله الشبهة الثانية:
كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح (قال النووي): فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود لأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما بل قال ابن رشيد: إنما سكت عليه (أبو داود) قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن كذلك عند غيره (١) (انظر التدريب) وبعد فإن رجال حديث ثوبان كلهم ثقات مرضوين كما يعلم من مراجعة أسمائهم من طبقات الرجال وقد عرفت الجواب عن شبهة الانقطاع فيه فقوي وحسن وصلح للاحتجاج به. والحمد لله الشبهة الثانية:
1 / 30
(١) قلت: لا شك عند العارفين بهذا العلم الشريف أن في (أبي داود) ما إسناده صحيح وإنما ينبغي النظر فيما اشتهر عند المتأخرين أن ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاستدلال به كما تقدم عن المؤلف فاعلم أن قول أبي داود (. . . . فهو صالح) كما نقله (التدريب) يحتمل أنه يعني أنه صالح للاحتجاج به: وعليه جرى النووي ويحتمل أنه يعني أنه صالح للاستشهاد به لأنه ليس شديد الضعف وهو الذي اختاره أمير المؤمنين في الحديث الحافظ العسقلاني وهو الصواب الذي أراه لأمور كثيرة لا مجال لذكرها الآن ولكن لا بد من لفت النظر إلى قول أبي داود: (وما كان فيه وهن شديد بينته) . فإن مفهومه أن ما كان فيه وهن غير شديد لا يبينه أي يسكت عنه فينتج من ذلك أن هذا هو المراد بقوله بعد: (وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح) . فتأمل وتحر الصواب ولا تغتر بما اشتهر بين الناس
[٣١]
1 / 31
بحث بعضهم بأن الدليل من هذا الحديث أخص من الدعوى لأن الحديث يدل على جواز المسح على التساخين في حالة البرد خاصة لأنه جواب السائل في تلك الحالة
و(الجواب) أنه تقرر في علم الأصول أن (اللفظ العام الوارد على سبب خاص يحمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه) . قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي: والدليل عليه هو (أن الحجة في قول رسول الله ﷺ دون السبب فوجب أن يعتبره عمومه) . وحاصل القاعدة في هذا أن (اللفظ الذي يستقل بنفسه يعتبر حكمه فإن كان خاصا حمل على خصوصه وإن كان عاما حمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه) . وما يقال في العام يقال في المطلق لاشتراكهما في الأحكام كما تقرر في الأصول وتقرر أيضا أن (ترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم في المقال)
ولا يقال: إن الفعل المثبت لا عموم له كما أطلقه الأصوليون لأنه يقال: إن إطلاقهم مقيد بغير نحو أمر أو نهي لأن هذا ليس حكاية لفعله حتى يقال: إنه لم يقع إلا على صفة واحدة بل حكاية لصدور أمر بشيء أو نهي عنه عاما في أقسامه البتة كما اختاره ابن الحاجب وبسطه في المطولات. ثم إن ما ورد من مسحه صلوات الله عليه على الجوربين وهما من التساخين - غير مقيد بحالة
[٣٢]
1 / 32
لا أمرا منه ولا فعلا وكذا ما صح من مسحه صلوات الله عليه في الوضوء على عمامته - وهي من العصائب - غير مقيد بحالة دون أخرى وسيأتي مزيد لهذا البحث إن شاء الله
الشبهة الثالثة:
في حديث المغيرة (الثاني) قالوا: إن فيه شذوذا بيانه أن المروزي قال: إن الإمام أحمد ذكر أبا قيس - أحد رواته فقال: ليس به بأس أنكروا عليه حديثين: حديث المغيرة في المسح فأما ابن مهدي فأبى أن يحدث به وأما وكيع فحدث به. وقال أبو داود في سننه: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي ﷺ مسح على الخفين ا. هـ. قال السندي: فكان يراه ضعيفا شاذا و(الشاذ): ما رواه المقبول مخالفا لما هو أولى منه
و(الجواب) من وجوه:
(الأول): أن تضعيفه بما ذكر يعارضه تصحيح الترمذي له فقد قال بعد تخريجه له في سننه: هذا حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم. وتصحيح الترمذي مقدم على تضعيف غيره لأن الترمذي من الطبقة التي تأخرت عن تلك ووقفت على كل ما قيل فيه ورأت أن الحق في تصحيحه وكذا
[٣٣]
صححه ابن حبان (١) وهو ممن استقرأ وسبر أيضا (٢)
صححه ابن حبان (١) وهو ممن استقرأ وسبر أيضا (٢)
1 / 33
(١) عن الجوهر النقي للمارديني صفحة ٧٤
(٢) قلت: هذا الوجه من الجواب لا يستقيم إلا لو كان الترمذي وابن حبان من الأئمة المتثبتين في التصحيح مثل الإمام أحمد ومسلم وغيرهما ممن ضعفوا الحديث ففي هذه الحال تصح المعارضة ويسلم الجواب من الاعتراض لتأخر الترمذي عنهم ووقوفه على ما أعلوه به وأنه لا يقدح ولكن لما كان الترمذي ومثله ابن حبان معروفا بالتساهل في التصحيح حتى قال الذهبي في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد نقل عن الترمذي أنه صحح حديثا له مع أنه متهم عند الشافعي وغيره قال الذهبي: (ولذلك لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي)
قلت: فإذا كان الحال ما ذكرنا فالجواب ضعيف ولكن الحديث صحيح الإسناد وما أعلوه به مردود كما بينه المصنف في الجواب الثاني وأحسن منه بيان الشيخ أحمد المتقدم ص ٥ / ١٠ فقد أجاد كل الإجادة في الرد على الذين أعلوه بالشذوذ والنكارة جزاه الله خيرا. وخلاصة ذلك أن هزيل بن شرحبيل الثقة الذي روى عن المغيرة المسح على الجوربين لا يجوز أن يقال إنه خالف الثقات الذين رووا عنه المسح على الخفين إلا إذا كانت الحادثة واحدة فحينئذ يرد حديث هزيل بالمخالفة والشذوذ لعدم إمكان الأخذ بالروايتين ففي حديث الجماعة عنه: أنه ﷺ مسح في السفر وليس هذا في حديث هزيل فدل ذلك على أنهما حادثتان مغايرتان وأن الجماعة روت ما لم يرو هزيل وهذا روى ما لم يرو الجماعة فليس من الشذوذ بسبيل ورحم الله الشافعي إذ قال: وليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو الثقات وإنما أن يروي ما يخالف فيه الثقات. انظر (اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير
ومن الغريب أن الإمام مسلما الذي أعل الحديث بالشذوذ والمخالفة هو نفسه لما أخرج حديث المسح على الخفين في السفر من طريق الجماعة عن المغيرة أخرجه أيضا من طريق أخرى عنه فزاد فيه المسح على العمامة فعلى طريقته في إعلال حديث هزيل بمخالفته للثقات كان ينبغي أن يعل حديث العمامة أيضا بل هو بالإعلال عنده أولى لأنها زيادة في نفس حديث الجماعة أعني في السفر وليس ذلك عن حديث هزيل
[٣٤]
(الثاني) قال العلامة المحقق علاء الدين المارديني (١) في رد قول البيهقي (أبو قيس الأودي وهزيل لا يحتملان مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين) ما مثاله: هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان وقال الترمذي حسن صحيح. وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وثقه ابن معين وقال العجلي ثقة ثبت وهزيل وثقه العجلي وأخرج لهما معا البخاري في صحيحه. ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة بل رويا أمرا زائدا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض فيحمل على أنهما حديثان ولهذا صحح الحديث كما مر. ا. هـ وهكذا قال شيخ الإسلام منصور الحنبلي في شرح الإقناع: وتكلم بعضهم في الحديث - أي حديث المغيرة - لأن المعروف عن المغيرة (الخفين) قال في المبدع: وهذا لا يصلح مانعا لجواز رواية اللفظين فيصح المسح على ما تقدم (أي الجوربين) وكذا قال العلامة ملا علي القاري في شرح المشكاة:
(الثاني) قال العلامة المحقق علاء الدين المارديني (١) في رد قول البيهقي (أبو قيس الأودي وهزيل لا يحتملان مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين) ما مثاله: هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان وقال الترمذي حسن صحيح. وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وثقه ابن معين وقال العجلي ثقة ثبت وهزيل وثقه العجلي وأخرج لهما معا البخاري في صحيحه. ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة بل رويا أمرا زائدا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض فيحمل على أنهما حديثان ولهذا صحح الحديث كما مر. ا. هـ وهكذا قال شيخ الإسلام منصور الحنبلي في شرح الإقناع: وتكلم بعضهم في الحديث - أي حديث المغيرة - لأن المعروف عن المغيرة (الخفين) قال في المبدع: وهذا لا يصلح مانعا لجواز رواية اللفظين فيصح المسح على ما تقدم (أي الجوربين) وكذا قال العلامة ملا علي القاري في شرح المشكاة:
1 / 34
(١) في الجوهر النقي طبع حيد آباد الدكن صفحة ٧٤
[٣٥]
قيل المعروف من رواية المغيرة المسح على الخفين وأجيب بأنه لا مانع من أن يروي المغيرة اللفظين وقد عضده فعل الصحابة ا. هـ. وسيأتي تسميتهم وبلوغ عدتهم ستة عشر صحابيا و(الثالث) وهو جوابنا عن دعوى شذوذه علما أن الشذوذ مختلف في معناه وأنه ليس بعلة على الإطلاق ولا بمتفق عليها. توضيحه أن السيوطي قال في التدريب (١) في شرح قول النووي في حد الصحيح: (وهو ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة) ما مثاله: قيل لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال: (أحدها): مخالفة الثقة لأرجح منه و(الثاني): تفرد الثقة مطلقا و(الثالث): تفرد الراوي مطلقا. قال ورد الأخيران فالظاهر أنه أراد هنا الأول قال شيخ الإسلام: وهو مشكل لأن الإسناد إذا كان متصلا ورواته كلهم عدولا ضابطين فقد انتفت عنه العلل الظاهرة ثم إذا انتفى كونه معلولا فما المانع من الحكم بصحته؟ فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا لا يستلزم الضعف بل يكون من باب صحيح وأصح. قال: ولم أر مع ذلك من أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة. وإنما الموجود من تصرفاتهم
قيل المعروف من رواية المغيرة المسح على الخفين وأجيب بأنه لا مانع من أن يروي المغيرة اللفظين وقد عضده فعل الصحابة ا. هـ. وسيأتي تسميتهم وبلوغ عدتهم ستة عشر صحابيا و(الثالث) وهو جوابنا عن دعوى شذوذه علما أن الشذوذ مختلف في معناه وأنه ليس بعلة على الإطلاق ولا بمتفق عليها. توضيحه أن السيوطي قال في التدريب (١) في شرح قول النووي في حد الصحيح: (وهو ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة) ما مثاله: قيل لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال: (أحدها): مخالفة الثقة لأرجح منه و(الثاني): تفرد الثقة مطلقا و(الثالث): تفرد الراوي مطلقا. قال ورد الأخيران فالظاهر أنه أراد هنا الأول قال شيخ الإسلام: وهو مشكل لأن الإسناد إذا كان متصلا ورواته كلهم عدولا ضابطين فقد انتفت عنه العلل الظاهرة ثم إذا انتفى كونه معلولا فما المانع من الحكم بصحته؟ فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا لا يستلزم الضعف بل يكون من باب صحيح وأصح. قال: ولم أر مع ذلك من أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة. وإنما الموجود من تصرفاتهم
1 / 35
(١) صفحة ١٤ - ١٥ من (تدريب الراوي)
[٣٦]
تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة وقال الإمام النووي في بحث الشاذ: (فإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرا لم يروه غيره فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه ولم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا) ا. هـ وبه يعلم أن الشذوذ ليس علة قادحة في صحة المروي مطلقا بل هي على هذا التفصيل وإن من كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وممن اعترض جعل الشذوذ قادحا في صحة الحديث الإمام ابن دقيق العيد فقد قال العراقي: وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد في (الاقتراح): (إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح - قال - وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء) (١) . وقال
تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة وقال الإمام النووي في بحث الشاذ: (فإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرا لم يروه غيره فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه ولم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا) ا. هـ وبه يعلم أن الشذوذ ليس علة قادحة في صحة المروي مطلقا بل هي على هذا التفصيل وإن من كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وممن اعترض جعل الشذوذ قادحا في صحة الحديث الإمام ابن دقيق العيد فقد قال العراقي: وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد في (الاقتراح): (إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح - قال - وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء) (١) . وقال
1 / 36
(١) قلت: أهل مكة أدرى بشعابها فالاعتماد إنما هو على المحدثين لأنه علمهم الذي اختصوا به فهم أعرف به من غيرهم وكل علم يرجع فيه إلى ذوي الاختصاص والإتقان فيه والمحدثون اتفقوا على اشتراط السلامة من الشذوذ في الحديث الصحيح كما هو معروف من كتبهم والمتتبع للطرق في دواوين السنة يجد غير قليل من الأحاديث اختلف الرواة الثقات في ضبط متونها اختلافا لا سبيل للأخذ بجميع وجوه الاختلاف فيها بل لا بد من ترجيح بعضها على بعض فالراجح هو المحفوظ والمرجوح هو الشاذ وهو من أنواع الحديث الضعيف وحديث المسح على الجوربين صحيح سالم من الشذوذ كما قدم بيانه لذلك فلا مجال للأخذ بتشكيك من وهم ورمي الحديث بالشذوذ فهو حديث صحيح محفوظ اتفق المحدثون على سلامته
[٣٧]
ابن الصلاح: (وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم وجود هذه الأوصاف فيه (١) أو لاختلافهم في اشتراط بعضها) ا. هـ فأفاد أن اشتراط السلامة من الشذوذ ليس بمتفق عليه بل هو مختلف فيه ولذا حد الإمام الخطابي الصحيح بأنه: ما اتصل سنده وعدلت نقلته. قال العراقي: (فلم يشترط ضبط الراوي ولا السلامة من الشذوذ والعلة) وحكي أن مثل هذه الشروط مردها إلى اجتهاد المجتهدين في تحري المأثور ولذلك تفاوتت مسنداتهم ومخرجاتهم بتفاوت شروطهم كما بسطناه في مقدمة كتاب (حياة البخاري) . وكل ما يبحث عن تصحيحه باعتبار السند وقواعد المصطلح فذاك من حيث رعاية صحته سندا وأما من حيث تصحيحه باعتبار أمر أجنبي عنه - وهو المسمى بالصحيح لغيره - فذاك نوع آخر على ما سيأتي بيانه الشبهة الرابعة: قول الإمام النووي في شرح المهذب: واحتج أصحابنا (٢)
ابن الصلاح: (وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم وجود هذه الأوصاف فيه (١) أو لاختلافهم في اشتراط بعضها) ا. هـ فأفاد أن اشتراط السلامة من الشذوذ ليس بمتفق عليه بل هو مختلف فيه ولذا حد الإمام الخطابي الصحيح بأنه: ما اتصل سنده وعدلت نقلته. قال العراقي: (فلم يشترط ضبط الراوي ولا السلامة من الشذوذ والعلة) وحكي أن مثل هذه الشروط مردها إلى اجتهاد المجتهدين في تحري المأثور ولذلك تفاوتت مسنداتهم ومخرجاتهم بتفاوت شروطهم كما بسطناه في مقدمة كتاب (حياة البخاري) . وكل ما يبحث عن تصحيحه باعتبار السند وقواعد المصطلح فذاك من حيث رعاية صحته سندا وأما من حيث تصحيحه باعتبار أمر أجنبي عنه - وهو المسمى بالصحيح لغيره - فذاك نوع آخر على ما سيأتي بيانه الشبهة الرابعة: قول الإمام النووي في شرح المهذب: واحتج أصحابنا (٢)
1 / 37
(١) وهي العدالة والضبط والسلامة من الشذوذ والعلة
(٢) في الرد على من أباح المسح على الجورب الرقيق (المتقدم ذلك في عبارته)
[٣٨]
بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه فلم يجز كالخرقة. قال: والجواب عن حديث المغيرة من أوجه: (أحدها): أنه ضعيف ضعفه الحفاظ وقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث وإن كان الترمذي قال: (حديث حسن صحيح) فهؤلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة (الثاني): أنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة وليس في اللفظ عموم يتعلق به (الثالث): حكاه البيهقي ﵀ عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة فكأنه قال: مسح على جوربيه المنعلين ا. هـ (والجواب عن ذلك): أما قول الإمام النووي: (واحتج أصحابنا بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه) فهذا قد يراه المقلد حجة أما المحدث والأصولي فعنده الحجة الكتاب والسنة وما رجع إليهما من بقية الأدلة. وقانون المناظرة يقضي بأن يدفع القوي بالأقوى والحديث بمثله أو بآية لا برأي أو قياس وإلا فيكون ذهابا إلى ما رمى به أهل الرأي (١)
بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه فلم يجز كالخرقة. قال: والجواب عن حديث المغيرة من أوجه: (أحدها): أنه ضعيف ضعفه الحفاظ وقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث وإن كان الترمذي قال: (حديث حسن صحيح) فهؤلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة (الثاني): أنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة وليس في اللفظ عموم يتعلق به (الثالث): حكاه البيهقي ﵀ عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة فكأنه قال: مسح على جوربيه المنعلين ا. هـ (والجواب عن ذلك): أما قول الإمام النووي: (واحتج أصحابنا بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه) فهذا قد يراه المقلد حجة أما المحدث والأصولي فعنده الحجة الكتاب والسنة وما رجع إليهما من بقية الأدلة. وقانون المناظرة يقضي بأن يدفع القوي بالأقوى والحديث بمثله أو بآية لا برأي أو قياس وإلا فيكون ذهابا إلى ما رمى به أهل الرأي (١)
1 / 38
(١) يعني الحنفية الذي يروون بعض الأحاديث بآرائهم انتصارا منهم لأقوال أئمتهم وتجد بعض الأمثلة على ذلك في كتابي (أحكام الجنائز وبدعها) في بحث الصلاة على الميت وغيره. ولا أبرئ غيرهم من مثله كما تراه في تأول أصحاب النووي لهذا الحديث الصحيح وقد أحسن المصنف رحمه الله تعالى في الرد عليهم أثابهم الله تعالى
[٣٩]
وليس ثمة في الباب آية ترد هذا الحديث ولا حديث يرده لا بل ثمة ما يؤيده من الكتاب والسنة كما مر وهذا هو الحجة المعروفة في الأصول وأما قوله: (إنه ضعيف ضعفه الحفاظ) ثم نقل تضعيفه عمن ذكره فجوابه ما قدمناه قبل - في الوجه الثالث - من درء الشبهة الثالثة من معارضة ذلك بتصحيح من صححه على أن سند تضعيفه هو دعوى شذوذه وقد أوضحنا أن الشذوذ ليس علة مضعفة على إطلاقها بل من كان عدلا ضابطا كان تفرده صحيحا لا سيما وقد عضده ما روي بمعناه من حديث النساخين المتقدم وما قواه من عمل الصحب كما سيأتي ولذا صححه الإمام الترمذي ولا يخفي أن المضعفين له مهما كثروا فإن حجة تضعيفهم شذوذه وقد عرفت ما فيها فليس المقام مقام ترجيح بالكثرة والقلة بل المقام مقام استدلال واحتجاج وانطباق على القواعد المرعية وإلا فإن الكثرة ليست من الحجج والبراهين المعروفة ولذا قال الأصوليون (١) في بحث خبر الآحاد: إن عمل الأكثر بخلافه - أي بخلاف خبر الآحاد - لا يمنع وجوب العمل
وليس ثمة في الباب آية ترد هذا الحديث ولا حديث يرده لا بل ثمة ما يؤيده من الكتاب والسنة كما مر وهذا هو الحجة المعروفة في الأصول وأما قوله: (إنه ضعيف ضعفه الحفاظ) ثم نقل تضعيفه عمن ذكره فجوابه ما قدمناه قبل - في الوجه الثالث - من درء الشبهة الثالثة من معارضة ذلك بتصحيح من صححه على أن سند تضعيفه هو دعوى شذوذه وقد أوضحنا أن الشذوذ ليس علة مضعفة على إطلاقها بل من كان عدلا ضابطا كان تفرده صحيحا لا سيما وقد عضده ما روي بمعناه من حديث النساخين المتقدم وما قواه من عمل الصحب كما سيأتي ولذا صححه الإمام الترمذي ولا يخفي أن المضعفين له مهما كثروا فإن حجة تضعيفهم شذوذه وقد عرفت ما فيها فليس المقام مقام ترجيح بالكثرة والقلة بل المقام مقام استدلال واحتجاج وانطباق على القواعد المرعية وإلا فإن الكثرة ليست من الحجج والبراهين المعروفة ولذا قال الأصوليون (١) في بحث خبر الآحاد: إن عمل الأكثر بخلافه - أي بخلاف خبر الآحاد - لا يمنع وجوب العمل
1 / 39
(١) جمع الجوامع في بحث خبر الآحاد
[٤٠]
به لأن عمل الأكثر ليس بحجة وعللوه بأن الحجة هي الإجماع وعمل الأكثر ليس بإجماع لأن الإجماع اتفاق مجتهدي الأمة بخلاف خبر الواحد فإنه حجة بنفسه على أنا لو أردنا أن نكاثر من ضعفه لكاثرنا بأضعاف ما عنده فإن المسح على الجوربين أثر عن الصحابة منهم عمر بن الخطاب (١) وعلي وأبي مسعود والبراء وأنس وأبي أمامة وسهل وعمرو بن حريث وابن عباس وابن عمر وابن أبي وقاص وعمار وبلال وابن أبي أوفى والمغيرة وأبي موسى رضي الله عن هم ومن التابعين عن قتادة وابن المسيب وابن جريج وعطاء والنخعي والحسن وخلاس وابن جبير ونافع رحمهم الله تعالى. وسيأتي إسناد ذلك إليهم فذهاب هؤلاء الأخيار رضي الله عن هم إلى العمل به مما يعضد صحة حديث المغيرة ويقويه ويصححه بلا ريب لأنه إن لم يكن هو سندهم فغيره مما هو في معناه وهذا لا يتوقف فيه من له أدنى مسكة على أن حديث الجوربين قد تلقاه بالقبول أبو حنيفة والشافعية وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود الظاهري وابن حزم وهؤلاء كلهم أئمة الفقه والاجتهاد وجميعهم احتج به في الفقه المدون عنه. وقد عرف في فن مصطلح الحديث (٢) أن الحديث يحكم
به لأن عمل الأكثر ليس بحجة وعللوه بأن الحجة هي الإجماع وعمل الأكثر ليس بإجماع لأن الإجماع اتفاق مجتهدي الأمة بخلاف خبر الواحد فإنه حجة بنفسه على أنا لو أردنا أن نكاثر من ضعفه لكاثرنا بأضعاف ما عنده فإن المسح على الجوربين أثر عن الصحابة منهم عمر بن الخطاب (١) وعلي وأبي مسعود والبراء وأنس وأبي أمامة وسهل وعمرو بن حريث وابن عباس وابن عمر وابن أبي وقاص وعمار وبلال وابن أبي أوفى والمغيرة وأبي موسى رضي الله عن هم ومن التابعين عن قتادة وابن المسيب وابن جريج وعطاء والنخعي والحسن وخلاس وابن جبير ونافع رحمهم الله تعالى. وسيأتي إسناد ذلك إليهم فذهاب هؤلاء الأخيار رضي الله عن هم إلى العمل به مما يعضد صحة حديث المغيرة ويقويه ويصححه بلا ريب لأنه إن لم يكن هو سندهم فغيره مما هو في معناه وهذا لا يتوقف فيه من له أدنى مسكة على أن حديث الجوربين قد تلقاه بالقبول أبو حنيفة والشافعية وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود الظاهري وابن حزم وهؤلاء كلهم أئمة الفقه والاجتهاد وجميعهم احتج به في الفقه المدون عنه. وقد عرف في فن مصطلح الحديث (٢) أن الحديث يحكم
1 / 40
(١) كانت في الأصلين (من الصحابة عن عمر) ولعل الصواب ما ذكرنا. (ز)
(٢) تدريب صفحة ١٥
[٤٢]
له بالصحة إذ تلقاه الناس بالقبول (١) وإن لم يكن له إسناد صحيح (٢) قال أبو الحسن ابن الحصار في تقريب المدارك على موطأ مالك: قد يعلم الفقيه صحة الحديث - إذا لم يكن في سنده كذاب - بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به ا. هـ. ويسمى هذا (الصحيح لغيره) والصحيح لغيره نظير الصحيح لذاته في الاحتجاج به والعمل بمقتضاه والأخذ بعمومه وخصوصه وإطلاقه وتقييده ولمعرفة صحة الحديث من جهة غير السند طرق ومدارك
(١) اعلم أن (ال) في قوله (الناس) للعهد لا للاستغراق فلا يدخل فيه غير أهل العلم بالحديث فكم من حديث تلقاه الفقهاء أو غيرهم بالقبور وهو منكر مردود عند علماء الحديث مثل حديث معاذ أن النبي ﷺ قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: فإن لم تجد قال بسنة رسول الله ﷺ ﷺ. الحديث. فإنه منكر كما قال إمام الأئمة البخاري رحمه الله تعالى وهو مخرج عندي في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) ثم إنه لا يكفي القيد السابق وهو (أهل الحديث) بل لا بد أن يضم إليه قيد آخر ألا وهو اتفاقهم عليه كما يشير إليه ما نقله السيوطي في (التدريب) (١ / ٦٧) عن الإسفرايني أنه قال: (تعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أمة الحديث بغير نكير منهم) (٢) قلت: مفهومه أنه لا بد أن يكون له إسناد ما ولكن لا يجز أن يكون ضعيفا جدا كما يشير إليه كلام أبي الحسن بن الحصار الآتي في الكتاب فالحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا إلا إذا كان له إسناد صالح للاعتبار به. فهو الذي يتقوى بالتلقي. فاحفظ هذا فإنه مهم جدا [٤٢]
يدريها الفقيه المجتهد كما قرره ابن الحصار وبهذا نجيب عما نقول بصحته مما لم يخرجه الإمام البخاري وذلك أن البخاري إنما خرج ما صح من طريق السند ولم يخرج ما صح مطلقا ولذا قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحالة الطول وكذا قال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ما أجمعوا عليه. ولذا قال النووي في التقريب: ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه (١) . على أن ظاهر كلامهما أنهما تركا ما صح من جهة السند أيضا الذي هو وجهة المحدث خيفة الطول فأحرى أن يكونا تركا ما صح لغير السند وهو الصحيح لغيره وذلك لأن الصحيح لغيره ليس له قاعدة مطردة وإنما هو أمر يعرفه سديد الرسوخ في الأصول والفروع النهم بدرس الهدى النبوي ومعرفة سر التشريع ودرك حقيقة الفقه في الدين وقد كان بعض المحققين يسمي هذه الطريقة بطريقة (قبول الأخبار بالاستدلال) ليعادل ما بحثه الأصوليون في مسألة (رد الأخبار بالاستدلال) كما تراه مبسوطا في المسودة وغيرها من مطولات الأصول. وعبارة المسودة: مما رجح فيه الخبر ويقدم أن يعتضد بعموم كتاب أو سنة أو قياس أو معنى عقلي
له بالصحة إذ تلقاه الناس بالقبول (١) وإن لم يكن له إسناد صحيح (٢) قال أبو الحسن ابن الحصار في تقريب المدارك على موطأ مالك: قد يعلم الفقيه صحة الحديث - إذا لم يكن في سنده كذاب - بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به ا. هـ. ويسمى هذا (الصحيح لغيره) والصحيح لغيره نظير الصحيح لذاته في الاحتجاج به والعمل بمقتضاه والأخذ بعمومه وخصوصه وإطلاقه وتقييده ولمعرفة صحة الحديث من جهة غير السند طرق ومدارك
(١) اعلم أن (ال) في قوله (الناس) للعهد لا للاستغراق فلا يدخل فيه غير أهل العلم بالحديث فكم من حديث تلقاه الفقهاء أو غيرهم بالقبور وهو منكر مردود عند علماء الحديث مثل حديث معاذ أن النبي ﷺ قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: فإن لم تجد قال بسنة رسول الله ﷺ ﷺ. الحديث. فإنه منكر كما قال إمام الأئمة البخاري رحمه الله تعالى وهو مخرج عندي في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) ثم إنه لا يكفي القيد السابق وهو (أهل الحديث) بل لا بد أن يضم إليه قيد آخر ألا وهو اتفاقهم عليه كما يشير إليه ما نقله السيوطي في (التدريب) (١ / ٦٧) عن الإسفرايني أنه قال: (تعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أمة الحديث بغير نكير منهم) (٢) قلت: مفهومه أنه لا بد أن يكون له إسناد ما ولكن لا يجز أن يكون ضعيفا جدا كما يشير إليه كلام أبي الحسن بن الحصار الآتي في الكتاب فالحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا إلا إذا كان له إسناد صالح للاعتبار به. فهو الذي يتقوى بالتلقي. فاحفظ هذا فإنه مهم جدا [٤٢]
يدريها الفقيه المجتهد كما قرره ابن الحصار وبهذا نجيب عما نقول بصحته مما لم يخرجه الإمام البخاري وذلك أن البخاري إنما خرج ما صح من طريق السند ولم يخرج ما صح مطلقا ولذا قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحالة الطول وكذا قال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ما أجمعوا عليه. ولذا قال النووي في التقريب: ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه (١) . على أن ظاهر كلامهما أنهما تركا ما صح من جهة السند أيضا الذي هو وجهة المحدث خيفة الطول فأحرى أن يكونا تركا ما صح لغير السند وهو الصحيح لغيره وذلك لأن الصحيح لغيره ليس له قاعدة مطردة وإنما هو أمر يعرفه سديد الرسوخ في الأصول والفروع النهم بدرس الهدى النبوي ومعرفة سر التشريع ودرك حقيقة الفقه في الدين وقد كان بعض المحققين يسمي هذه الطريقة بطريقة (قبول الأخبار بالاستدلال) ليعادل ما بحثه الأصوليون في مسألة (رد الأخبار بالاستدلال) كما تراه مبسوطا في المسودة وغيرها من مطولات الأصول. وعبارة المسودة: مما رجح فيه الخبر ويقدم أن يعتضد بعموم كتاب أو سنة أو قياس أو معنى عقلي
1 / 42
(١) ص ٢٨ تقريب وشرحه التدريب
[٤٣]
وقد ذهب كثير من أئمة الأصول إلى أن الحديث الملتقى بالقبول يفيد العلم والحديث الذي عضده عمل الصحب وكذا ما اختلفوا فيه بين آخذ به ومؤول وما يوافق آية من كتاب الله تعالى أو قاعدة وأصلا من أصول الدين والمعرفة أو يوافق مشروعا موافقة تصحح المشابهة بينهما (كما تراه في جمع الجوامع وغيره ومطولات مصطلح الحديث) إذا تقرر هذا فحديث الجوربين مما تلقى بالقبول (١) وعضده عمل الصحب عليهم رضوان الله ووافق آية ﴿وامسحوا برءوسكم وأرجلكم﴾ على قراءة الجر والنصب إذا رجعت إليه ويندرج تحت قاعدة رفع الحرج ويوافق مسح الخف وجميع هذه مما يصحح المروي أيما تصحيح وبالجملة فقد اجتمع في حديث الجوربين الصحتان معا: صحته من حيث السند كما صرح به الترمذي وابن حبان وكما حققناه من درء الشذوذ المزعوم فيه وصحته من غير السند وهي الأمور التي سردت الآن ومتى صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة
وقد ذهب كثير من أئمة الأصول إلى أن الحديث الملتقى بالقبول يفيد العلم والحديث الذي عضده عمل الصحب وكذا ما اختلفوا فيه بين آخذ به ومؤول وما يوافق آية من كتاب الله تعالى أو قاعدة وأصلا من أصول الدين والمعرفة أو يوافق مشروعا موافقة تصحح المشابهة بينهما (كما تراه في جمع الجوامع وغيره ومطولات مصطلح الحديث) إذا تقرر هذا فحديث الجوربين مما تلقى بالقبول (١) وعضده عمل الصحب عليهم رضوان الله ووافق آية ﴿وامسحوا برءوسكم وأرجلكم﴾ على قراءة الجر والنصب إذا رجعت إليه ويندرج تحت قاعدة رفع الحرج ويوافق مسح الخف وجميع هذه مما يصحح المروي أيما تصحيح وبالجملة فقد اجتمع في حديث الجوربين الصحتان معا: صحته من حيث السند كما صرح به الترمذي وابن حبان وكما حققناه من درء الشذوذ المزعوم فيه وصحته من غير السند وهي الأمور التي سردت الآن ومتى صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة
1 / 43
(١) قلت: قد عرفت مما سبق أن الحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا لا بشرطين أحدهما أن يشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم: وهذا الحديث وإن كان إسناده صحيحا عندنا فقد أنكره من عرفت من كلام المؤلف والشيخ أحمد شاكر. وحينئذ لا أرى أن يقال: أنه مما تلقى بالقبول. بل منهم من قبله ومنهم من رده. والحق مع الأولين قطعا. والحجة إسناده الثابت. نعم يعضده ويزيده قوة جريان عمل الصحابة عليه كما سيأتي
[٤٤]
1 / 44