233

Subul al-salām min Ṣaḥīḥ Sīrat Khayr al-Anām ʿalayhi al-ṣalāt waʾl-salām

سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام

Publisher

مكتبة الغرباء

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٤٢٨ هـ

Publisher Location

الدار الأثرية

Genres

وذلك من تمام إحكام الخطة، ورجاء النجاة والسلامة، ذلك أن قريشًا تعلم أن النبي ﷺ مهاجر إلى المدينة فإذا فقدته ستطلبه جهة المدينة- في الشمال- فخرج ﷺ أول ما خرج جهة الجنوب، جهة اليمن مخالفًا تمامًا الطريق الذي قصده، حتى إذا خرجت قريش من جهة المدينة فلم تدركه علمت أنه قد نجى، فترجع فيخرج بعد آمنًا سالمًا مطمئنًا.
واستأجرا أجيرًا يهديهما الطريق، وكان كافرًا إلا أنهما أمناه على هذا السر، وأسلما له الراحلتين، وواعداه أن يأتيهما بعد ثلاث في غار ثور.
وفي الليل خرج ﷺ وأبو بكر، وأمر النبي ﷺ عليًا أن ينام في فراشه تلك الليلة، وأتيا غار ثور فدخلاه، وكان عبد الله بن أبي بكر ﵄ يبيت عندهما إلى الثلث الأخير من الليل، فإذا دخل السحر تدلى إلى مكة فأصبح بينهم كأنه بائت فيهم، فيستمع إليهم بالنهار، وما يكيدونه للنبي ﷺ فإذا جاء الليل ذهب إليهما، فأخبرهما بما سمع من مكائد قريش، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى الغنم قريبًا من الغار، فإذا كانت العشاء راح عليهما بالغنم في الظلام، فيحلبان ويطعمان ثم ينعق عامر على الغنم فتنزل إليه، صنع ذلك حتى انتهت الثلاث.
عباد الله! وجاء الشباب الذين أجمعوا أمرهم على قتل النبي ﷺ، وباتوا ليلتهم أمام الدار، فلم يرعهم إلا خروج علي بدلًا من محمَّد ﷺ، فجن جنونهم وطاروا هنا وهناك في الطرقات، يبحثون عن النبي ﷺ وصاحبه حتى انتهى بهم أثر الأقدام إلى غار ثور الذي دخله النبي ﷺ، فأعمى الله أبصارهم، وصرف قلوبهم عن دخول الغار، وهم أمام بابه وأبو بكر يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا.
فيقول ﷺ: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، يا أبا بكر لا تحزن إن

1 / 224