Orientalism and Its Stance on the Prophetic Tradition
الاستشراق وموقفه من السنة النبوية
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Genres
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإنَّ من أهم ما ينبغي للمسلم إدراكه في الحياة العدوَّ الذي يتربص به وبدينه من كل جانب، ويحاول أن ينقضَّ عليه لاستئصاله، وانتزاع عقيدته من واقع حياته. وهذا العدو يظهر بأشكال كثيرة ومتنوعة، فأحيانًا يكون بصورة استعمار عسكري يغزو البلاد وينهب الخيرات، وأحيانًا يكون تحت شعارات إنسانية وحقوق الإنسان، ويأتي أحيانًا أخرى بهدف الحوار الحضاري أو المعرفي، وكلها صور مختلفة ولكن الهدف واحد، هو استعمار البلاد واستعمار العقول حسب ما تملي عليهم مبادئهم ومصالحهم. ولكن أخطر هذه الأنواع ذلك الذي يتغلغل داخل الأمة عبر الثقافة والمعرفة، ومنه ما يسمى بالاستشراق، فإنه عدو خطير بكل أدواته ووسائله؛ لأنه يحارب بالشبهة من خلال بعض ما يتوافر لديه من أحداث تاريخية أو روايات غير صحيحة، ولكنه يضعها في ثوب يثير الانتباه، ويشكك الضعفاء من أبناء الأمة في أمر دينهم وتاريخهم، مستفيدًا من بعض الصراعات التي حدثت في التاريخ الإسلامي في القرون الأولى لهذا الدين.
وهذا العدو خطير؛ لأنه مدعوم بأشياء كثيرة ومن أطراف متعددة، فتدعمه بعض الدول الكبرى والمؤسسات العلمية في الغرب والشرق، والتي لها شهرة معرفية لدى معظم دول العالم، هذا فضلًا عن القيادات التي ترأس هذه المؤسسات وعلاقاتهم مع الساسة الكبار في دولهم الاستعمارية.
وقد وضع هذا العدو المتمثل بالاستشراق والمستشرقين أمامهم عدة
1 / 1
أهداف من أجل الوصول إلى تحقيقها، وهذه الأهداف كثيرة ومتفاوتة من حيث الأهمية بالنسبة لهم، ولكن الغاية الأخيرة لهم هي جعل الدين الإسلامي مجرد أسطورة ليس له حقيقة ربانية، وإنما هو مزيج من الآراء والأفكار التي اقتبست من بعض الأشخاص كبحيرى الراهب وغيره، ومن الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية، لذلك بادر هؤلاء المستشرقون إلى الطعن في أركان هذا الدين ومصادره الأصلية التي هي مصدر الأحكام والتشريعات، إذ أعلنوا حربًا فكرية شعواء على القرآن الكريم، وعدّ الوحي ضربا من الصرع أو الجنون، ولكنهم شددوا هذه الحرب وبوسائل أقوى على السنة المطهرة؛ لكونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ويقوم تفصيل التشريع عليها، مستغلين بعض الأحاديث الموضوعة والخلافات التاريخية بين المسلمين.
وقد بذل علماء الأمة بمختلف اتجاهاتهم وتخصصاتهم جهودًا جبارة في التصدي لهذا العدو الخطير وسمومه، مع أن بعضًا من أبناء الأمة تأثروا ببعض هذه السموم، ولكنها في النهاية كان مصيرها السقوط والهزيمة والحمد لله.
وقد أحسنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في مجمع الملك فهد بإقامة ندوة (عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية)، وموضوع الاستشراق أحد محاور هذه الندوة، والذي يأتي هذا البحث مشاركة متواضعة فيه، فأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الندوة وبحوثها وأن تكون لها ثمار إيجابية، وجزى الله الجميع خير الجزاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 2
منهج البحث:
انطلقت عند كتابتي هذا البحث من زاوية علمية معرفية بالاستشراق ونشأته وأهدافه، والشبهات التي يثيرها المستشرقون حول السنة النبوية، وذلك من خلال النقاط التالية:
١ – اعتمدت عند تناول هذا البحث على محاولة الاستدلال مع الاختصار قدر الإمكان.
٢ – رجعت عند كتابة البحث إلى كتب المستشرقين أنفسهم وهي كثيرة، رغم قلة المترجَم منها، ومن أهم تلك الكتب كتاب "العقيدة والشريعة في الإسلام" لرأس المستشرقين "أجناس جولدتسيهر" وهو مترجم إلى العربية، وكذلك إلى كتابات المسلمين عن الاستشراق والمستشرقين وردودهم عليهم، وهي أيضًا كثيرة، وكان أهم مرجع اعتمدت عليه هو كتاب "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" للدكتور مصطفى السباعي ﵀، فهو كتاب قيّم وشاف لمعرفة السنة والأطوار التي مرت بها، والشبهات التي أثيرت حولها من قبل الغربيين والرد عليها.
٣ – عدم ذكر جميع الشبهات التي أثارها المستشرقون حول السنة النبوية؛ لأنها كثيرة جدًا، وتحتاج إلى كتابات طويلة لذكرها والرد عليها، ولكنني اكتفيت بذكر أهم هذه الشبهات حول السنة، والرد عليها بإيجاز.
٤ – إذا نقلت نصًا من كتاب دون تصرف فإنني أضعه بين قوسي تنصيص صغيرين، وأشير إلى مرجعه في الحاشية في أسفل الصفحة، أما إذا نقلت النص بتصرف فإنني أشير في الحاشية فقط إلى المراجع التي اقتبست منها الفكرة.
1 / 3
٥ – عزوتُ الآيات إلى مصادرها في القرآن الكريم.
٦ – بالنسبة للأحاديث النبوية، فإنني وضعتها بين قوسي تنصيص صغيرين، وأشير في الحاشية إلى تخريجها حسب الطرق العلمية في التخريج.
أما خطة البحث فكانت على الشكل التالي:
* مفهوم الاستشراق.
* تاريخ الاستشراق وتطوره.
* دوافع الاستشراق:
١ – الدافع الديني.
٢ – الدافع الاستعماري.
٣ – الدافع السياسي.
٤ – الدافع الاقتصادي.
٥ – الدافع العلمي.
* شبهات الاستشراق حول السنة النبوية ومناقشتها:
١- مفهوم السنة عند المستشرقين.
٢- الطعن في رسالة النبي ﷺ.
٣- الطعن في شخصية النبي ﷺ، ومنها:
أ- زعمهم انشغاله ﷺ بالنساء.
ب- زعمهم اهتمام الرسول ﷺ بالغنائم والسلب.
٤- الطعن في الأحاديث النبوية سندًا ومتنًا.
وينقسم إلى ما يلي:
أ - زعمهم أن الحديث مزيج من عقائد الأديان السابقة وأفكارها من اليهودية والنصرانية.
1 / 4
ب- الطعن في رواة الحديث.
ج- موقفهم من الأحاديث المتعارضة في الظاهر.
د- زعمهم أن الأحاديث النبوية هي نتيجة التطور الديني.
هـ- الطعن في منهج النقد عند المحدثين في سند الحديث ومتنه.
وتأخر التدوين.
علاقة المستشرقين بالمذاهب والفرق القديمة والحديثة:
١ – الاستشراق والمعتزلة.
٢ – الاستشراق والعقلانيون المعاصرون.
٣ – الاستشراق والقرآنيون.
* الخاتمة
وفيها بعض التوصيات والمقترحات حول الاستشراق ومدى حاجة الأمة إلى إنشاء مؤسسات علمية تتخصص بالدراسات الاستشراقية والغزو الفكري، تبيّن لأبناء المسلمين خطورتها على دينها وعقيدتها، وإيجاد وسائل الوقاية منها.
1 / 5
مفهوم الاستشراق:
اختلف الباحثون في إيجاد تعريف موحد للاستشراق، رغم أن هذا الاختلاف شكلي وجزئي، إلا أنهم يتفقون فيما بينهم على عناصر مشتركة للاستشراق والمستشرقين، ويعود ذلك إلى تصور كل واحد منهم لحقيقة الاستشراق وأهدافه. وعلى كل حال فهو في صورته العامة: عبارة عن اتجاه فكري غربي يقوم بدراسة حضارة الأمم من جوانبها الثقافية والفكرية والدينية والاقتصادية والسياسية كافة، لغرض التأثير فيها.
وقد عرّفه إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق": "بأنه أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة صياغته وتشكيله وممارسة السلطة عليه" (١) .
وقدّم أحمد عبد الحميد غراب تعريفات كثيرة للاستشراق من الغربيين وغيرهم، وقسّمها إلى قسمين، عام وخاص:
أما التعريف العام: فهو أن الاستشراق أسلوب فكري غربي (أي منهج غربي في رؤية الأشياء والتعامل معها) يقوم على أن هناك اختلافًا جذريًا في الوجود والمعرفة بين الغرب والشرق، وأن الأول يتميز بالتفوق العنصري والثقافي على الثاني.
وأما التعريف الخاص: فهو عبارة عن دراسات "أكاديمية"، يقوم بها غربيون من الدول الاستعمارية، للشرق بشتى جوانبه: تاريخه وثقافاته،
_________
(١) ينظر رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد عبد الحميد غراب، ص٧-٨.
1 / 6
وأديانه، ولغاته، ونظمه الاجتماعية والسياسية، وثرواته، وإمكاناته.. من منطلق التفوق العنصري والثقافي على الشرق، وبهدف السيطرة عليه لمصلحة الغرب، وتسويغ هذه السيطرة بدراسات وبحوث ونظريات تتظاهر بالعلمية والموضوعية (١) .
وخلص إلى إيجاد تعريف أكثر شمولية من التعريفات السابقة، آخذًا في الحسبان النقص والتزوير الذي اعترى تلك التعريفات، فيقول في تعريف الاستشراق بمفهومه الاصطلاحي: "إن الاستشراق دراسات "أكاديمية" يقوم بها غربيون من أهل الكتاب للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب: عقيدة، وثقافة، وشريعة، وتاريخًا، ونظمًا، وثروات، وإمكانيات.. بهدف تشويه الإسلام، ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي" (٢) .
ولعلنا نأخذ بالتعريف الذي اقترحه الدكتور مازن مطبقاني، والذي أضاف إلى تعريف غراب بعض الزيادات، وتفرع ليشمل نطاقًا أوسع مما يتصوره الباحث، فقال عن الاستشراق:
"بأنه كل ما يصدر عن الغربيين من أوروبيين (شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفيت) وأمريكيين من دراسات أكاديمية (جامعية) تتناول قضايا
_________
(١) المرجع السابق نفسه ص٧-٨.
(٢) المرجع السابق، ص٩.
1 / 7
الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، كما يلحق بالاستشراق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم. كما أن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون والسياسيون الغربيون في ندواتهم ومؤتمراتهم العلنية أو السرية. ويمكننا أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم، ممن ينظر إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي، ولا بد أن نلحق بالاستشراق ما ينشره الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين، وتبنَّوا كثيرًا من أفكار المستشرقين حتى إن بعض هؤلاء التلاميذ تفوق على أساتذته في الأساليب والمناهج الاستشراقية، ويدل على ذلك احتفال دور النشر الاستشراقية بإنتاج هؤلاء ونشره باللغات الأوروبية على أنها بحوث علمية رصينة أو ما يترجمونه من كتابات بعض العرب والمسلمين إلى اللغات الأوروبية" (١) .
ويمكن من خلال هذه التعريفات استخلاص عدة أمور تعد أركانًا متينة للاستشراق:
١ – أن الاستشراق هو حركة علمية (أكاديمية) من أهل الكتاب من شرقيين وغربيين وأمريكيين وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام بالمنظار الغربي.
_________
(١) بحث بعنوان: "الاستشراق". د. مازن مطبقاني على موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق. http: // medina center.org
1 / 8
٢ – الهدف منه تشويه الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم، وذلك بالطعن في أهم مصادر التشريع: القرآن والسنة وتاريخ المسلمين (١) .
٣ – إنشاء مجتمعات تابعة للغرب في الفكر والاقتصاد والسياسة والاجتماع، ليسهل استغلالهم اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.
٤ – أن الاستشراق ذو علاقة وطيدة مع الاستعمار، فلا استعمار بدون استشراق ولا استشراق من غير دول استعمارية.
٥ – أن الاستشراق له علاقة بالتنصير؛ لأن معظم المستشرقين من أهل الكتاب، يبذلون قصارى جهدهم في سبيل أن يحوّل المسلمون دينهم إلى النصرانية، وهذا ما أكدته البعثات التنصيرية التي كانت ترافق الاستعمار في المنطقة الإسلامية.
٦ – أن كثيرًا من المستشرقين يفتقدون المنهجية العلمية في طرح شبهاتهم وأباطيلهم، فهم يحتجون ببعض الموضوعات من الآثار والروايات الموضوعة التي لا أصل لها في الواقع، وأحيانًا كثيرة لا يعتمدون على شيء وإنما يعتمدون على وساوس شياطينهم لتشكيك الأمة في دينها.
_________
(١) يحمل هذا الكلام من الباحث على الأعم الأغلب. وينظر ما ورد في ص ٢٠-٢١. (اللجنة العلمية) .
1 / 9
تاريخ الاستشراق وتطوره
إن المتمعن في تاريخ الاستشراق سيجد أن جذوره تمتد إلى الصدر الأول من الإسلام، متمثلًا باليهود والنصارى الذين لم يألوا جهدًا من أجل محاربة هذا الدين، وذلك بالطعن فيه والهمز واللمز في أحكامه وتشريعاته، واتهام الرسول ﷺ بالمجنون والساحر والشاعر، يقول الله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ [الأنبياء: ٥]، ويقول جلّ ذكره عنهم أيضًا: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٤-٥] . وقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَر﴾ ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [سورة المدثر: ٢٤-٢٥] .
وقد اتخذ هؤلاء المشركون سبلًا كثيرة للطعن في هذا الدين لإعراض الناس عنه، فتارة يحرفون آياته وتارة يكتمون الحق وهم يعلمون، وأخرى يشككون فيه بالطعن في الوحي نفسه، يقول الله تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٧٥] . ويقول جل ذكره: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
1 / 10
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٤١-٤٢] .
وكثيرًا ما كان يتبع المشركون سبيل الدخول في الإسلام لفترة وجيزة ثم الارتداد عنه ليبين للناس أنهم جربوا هذا الدين؛ لأنه غير نافع وغير صحيح، لإخراجهم إلى ظلماتهم وضلالهم، يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] .
هذه المواقف والأفعال لم تكن ذات أبعاد إنسانية أو إيجاد الخير للناس وإظهار الحق واتباعه، وإنما كانت جميعها منصبة ليردوا الناس عن دينهم ويتبعوا دياناتهم المنحرفة، يقول الله تعالى فيهم: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: ١٠٥] .
ويقول أيضًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٠] .
وكل هذه الوسائل وغيرها اتبعها المشركون للصد عن دين الله، ويتبعها المستشرقون المعاصرون في نشاطاتهم الفكرية والثقافية، وهذا يعني حقًا أنهم امتداد لذلك التيار المعارض والمحارب لدين الله تعالى في بداية بزوغه.
إلا أن نشوء الاستشراق في القرون المتأخرة ليس له تاريخ محدد ومعلوم، وإنما بدأ تأسيسه عندما حاول بعض الرهبان الغربيين السفر إلى الأندلس
1 / 11
ودرسوا القرآن والكتب العربية وترجموها إلى لغاتهم، وذلك بالاستعانة بالعلماء المسلمين في الطب والفلك والفلسفة والرياضيات وغيرها، ومن أوائل هؤلاء الغربيين الراهب الفرنسي "جربرت" الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام ٩٩٩م بعد تعلمه في معاهد الأندلس وعودته إلى بلاده، وكذلك "بطرس المحترم ١٠٩٢-١١٥٦م" و"جيراردي كريمون ١١١٤-١١٨٧م".
وبعد عودة هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا هذه الثقافة التي ارتأوها من الأندلس في بلادهم واستفادوا منها قرابة ستة قرون تقريبًا، من حيث دراسة اللغة العربية وترجمات القرآن الكريم وأمهات الكتب والمراجع العربية العلمية، إلى أن جاء عهد الاستعمار في القرن الثامن عشر، على العالم الإسلامي، للاستيلاء على خيراته وثرواته المادية والثقافية، فقد ظهرت فئة من هؤلاء الغربيين الذين تفرغوا تمامًا بالتعاون مع الاستعمار لنهب ثروات العالم الإسلامي العلمية والفكرية، والمتمثلة بالدرجة الأولى في الكتب والمخطوطات القيمة بأبخس الأثمان، مستفيدين من الفوضى العارمة في العالم الإسلامي، حتى بلغ عدد هذه المخطوطات والوثائق العلمية في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلد، والعدد يتزايد يومًا بعد يوم (١) .
وقد عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام ١٨٧٣م، (٢) وكان بداية لعشرات المؤتمرات التي بدأت تدرس أحوال العالم الإسلامي وطرائق الوصول إلى ثرواته، ودراسة نقاط الضعف والقوة فيه، مستعينة بالقوى الاستعمارية
_________
(١) الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، مصطفى السباعي، ص١٧-١٨.
(٢) المرجع السابق.
1 / 12
الكبرى، ولا تزال هذه المؤتمرات والندوات في أوجها حتى هذا العصر، والتي كانت من إحدى نتائجها الحرب الحالية على العالم الإسلامي، ومحاولة مسح الهوية الإسلامية من الوجود وذلك باتهام المسلمين ومصادر تشريعهم، ولكن أنّى لهم ذلك، وقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩] . ويقول أيضًا: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٣٢] .
وهذه المحاولات الجادة لتشويه صورة الإسلام والنيل منه تحتم على المختصين من أبناء المسلمين اليقظة والوعي والدراسات الجادة للقيام بمهمتهم، والسعي لنشر دينهم والحفاظ على مصادر تشريعهم.
1 / 13
دوافع الاستشراق:
١ – الدافع الديني:
تتبين حقيقة هذا الدافع للاستشراق من خلال دراسة نشأته وتاريخه، فقد نشأ على أيدي الرهبان وكان خروجه من الكنيسة، وهذا الدافع كان أمرًا ضروريًا للكنيسة، ولاسيما أنه قد حدثت مواجهة بين الكنيسة والعلم، وأفلست الكنيسة في أطروحاتها ومبادئها التي كانت تتغنى بها، فما كان لها من سبيل إلا الهجوم على دين الإسلام، وكما قيل: أفضل وسيلة للدفاع هو الهجوم، فجعل الاستشراق غايته الهجوم على الإسلام في عقيدته وعبادته وأحكامه، وتصويره بأنه دين القتل وسفك الدماء والشهوات، كل ذلك من أجل التغطية على فشل الكنيسة واصطدام مبادئها بالعلم والواقع والتاريخ، وتزعزت ثقة الغربيين بالكنيسة التي كانت عندهم المركز العصامي لتعاليمهم وأفكارهم، ومن جهة أخرى خوفًا من انتشار الدين الإسلامي الذي بدأ يزحف شرقًا وغربًا على أيدي الدعاة والتجار والمسافرين والذين اختلطوا مع المجتمعات الإسلامية، وأخذوا الإسلام من منابعه الأصيلة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاستشراق التقى في هدفه الديني مع تلك الجمعيات التنصيرية التي كان من أهم أهدافها تحويل المسلمين عن دينهم في الأحكام والأخلاق والمعاملات، إلى دين النصرانية، وذلك بتقديم الخدمات لهم في جميع المجالات، فإن استجابوا لذلك ودخلوا النصرانية كان هو المطلوب والمرسوم، وإن لم يستجيبوا في دخول النصرانية، فيكفي إخراجهم من دينهم إلى الإلحاد والشيوعية وغيرها، وقد أصاب هذا الداء كثيرًا من أبناء
1 / 14
الأمة التي تخلت عن دينها إلى لا دين، فصاروا ملاحدة وزنادقة، فوزعت سموم الإلحاد وقذارة التغريب على المجتمعات الإسلامية التي لا تزال تعاني منها ومن أتباعها.
٢ – الدافع الاستعماري: بعد أن انهزم الغرب في حروبه الصليبية على العالم الإسلامي، وكانت شديدة الوطأة على الغرب من النواحي كافة، العقدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية، إلا أن الغرب بدأ يعيد حساباته، ويخطط للاحتلال والغزو مرة أخرى، ولكن في هذه المرة يكون بشكل آخر واستراتيجية مختلفة، حيث لجأ هذا العدو إلى تأسيس مراكز وأكاديميات مختصة بشؤون العالم الإسلامي، وصرف جهودًا جبارة وأموالًا طائلة، لتكون مرافقة مع استعمارها للأمة وبلادها. لقد درست هذه المراكز حال الأمة الإسلامية عقديًا وجغرافيًا واقتصاديا وعسكريا، وعرفت نقاط الضعف فيها ودرستها دراسة عميقة وواعية، فبدأ الاحتلال العسكري مرة أخرى، من خلال تلك النقاط، وكان احتلالًا عسكريًا وفكريا في آن واحد، وبعد أن تمركزت قوتهم في العالم الإسلامي، بدأ الاحتلال الفكري أو الغزو الفكري لعقول أبناء الأمة ونفوسها، وذلك بإظهار تفوقهم العلمي والتقني، وتخلف المسلمين في ذلك، وكذا بث روح الضعف والوهن في نفوسهم؛ لقتل روح المقاومة والتمسك بدينهم، وإظهار هذا الدين بصورة مشوهة غير صحيحة، مما كان له أثره الخطير في الأمة، فقد تأثر جمع غفير من أبنائها بهذه الوسائل، وقد ساعدهم على ذلك حصولهم على الثروات العلمية الإسلامية في البلاد المستعمرة، وتمكنهم من دراسة
٢ – الدافع الاستعماري: بعد أن انهزم الغرب في حروبه الصليبية على العالم الإسلامي، وكانت شديدة الوطأة على الغرب من النواحي كافة، العقدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية، إلا أن الغرب بدأ يعيد حساباته، ويخطط للاحتلال والغزو مرة أخرى، ولكن في هذه المرة يكون بشكل آخر واستراتيجية مختلفة، حيث لجأ هذا العدو إلى تأسيس مراكز وأكاديميات مختصة بشؤون العالم الإسلامي، وصرف جهودًا جبارة وأموالًا طائلة، لتكون مرافقة مع استعمارها للأمة وبلادها. لقد درست هذه المراكز حال الأمة الإسلامية عقديًا وجغرافيًا واقتصاديا وعسكريا، وعرفت نقاط الضعف فيها ودرستها دراسة عميقة وواعية، فبدأ الاحتلال العسكري مرة أخرى، من خلال تلك النقاط، وكان احتلالًا عسكريًا وفكريا في آن واحد، وبعد أن تمركزت قوتهم في العالم الإسلامي، بدأ الاحتلال الفكري أو الغزو الفكري لعقول أبناء الأمة ونفوسها، وذلك بإظهار تفوقهم العلمي والتقني، وتخلف المسلمين في ذلك، وكذا بث روح الضعف والوهن في نفوسهم؛ لقتل روح المقاومة والتمسك بدينهم، وإظهار هذا الدين بصورة مشوهة غير صحيحة، مما كان له أثره الخطير في الأمة، فقد تأثر جمع غفير من أبنائها بهذه الوسائل، وقد ساعدهم على ذلك حصولهم على الثروات العلمية الإسلامية في البلاد المستعمرة، وتمكنهم من دراسة
1 / 15
علومها في اللغة والأدب والدين والفقه والسيرة، واستطاعوا أن يخرجوا من بطون هذه الكتب نماذج من الأدب الوضيع والفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة كالتصوف، والتركيز عليها وتوصيلها إلى المثقفين والدارسين من أبناء الأمة على أنها الإسلام، فكان وسيلة قوية لتلك الدول على الاحتلال العسكري والبقاء لفترات أطول في ديار المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم وتسخيرها في مصالحهم المعيشية والتقنية والعسكرية.
هذا بالإضافة إلى الدور الذي قام به هؤلاء المستشرقون في إفشاء روح الإقليمية والعنصرية بين المسلمين والتركيز على إثارة الفتن القومية بين الشعوب، كافتخار العربي بالعروبة والتركي بالتركية والمصري بالفرعونية، والكردي بالكردية، والفارسي بالفارسية وهكذا، فكان كل ذلك معول هدم وخراب، لذلك البناء المتين الذي أرسى قواعده الرسول ﷺ والصحابة رضوان الله عليهم، والعمالقة من أبناء الإسلام على مرّ العصور والأزمان، رغم أن الدين الإسلامي جاء وأزال كل هذه التصورات التي عدّها صفات جاهلية لا تتناسب مع الرسالة الربانية.
والحق أن الاستشراق صار ملازمًا للاستعمار أينما حلّ وأناخ، وتوسع مجاله ونطاقه بتوسع احتلاله واغتصابه لحقوق الشعوب عامة والمسلمين خاصة، حيث يقول المستشرق الهولندي سنوك هرجرنجي عن ذلك بقوله: "إن الشريعة الإسلامية موضوع مهم للدراسات الاستشراقية، ليس فقط لأسباب تجريدية [نظرية] متعلقة بتاريخ القانون والحضارة والدين، ولكن كذلك لأهداف عملية: وذلك أنه كلما توثقت العلاقات بين أوروبا والشرق الإسلامي، وكلما زاد [عدد] البلاد الإسلامية التي تقع تحت السيادة الأوروبية
1 / 16
زادت الأهمية بالنسبة لنا نحن الأوروبيين لنتعرف على الحياة الفكرية، وعلى الشريعة، وعلى خلفية المفاهيم الإسلامية" (١) .
_________
(١) رؤية إسلامية للاستشراق أحمد غراب، ص٥٣.
٣ – الدافع السياسي: يقول الدكتور مصطفى السباعي ﵀ "وهنالك دافع آخر أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية، ففي كل سفارة من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول سكرتير أو ملحق ثقافي يحسن اللغة العربية؛ ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته، وكثيرًا ما كان لهذا الاتصال أثره الخطير في الماضي حين كان السفراء الغربيون - ولا يزالون في بعض البلاد العربية والإسلامية - يبثون الدسائس للتفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض، وبين الدول العربية والدول الإسلامية، بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة بعد أن درسوا تمامًا نفسية كثيرين من المسؤولين في تلك البلاد، وعرفوا نواحي الضعف في سياستهم العامة، كما عرفوا الاتجاهات الشعبية الخطيرة على مصالحهم واستعمارهم" (٢) . وقد ظهر - حقًا - في الآونة الأخيرة في معظم الدول الإسلامية والعربية نوعٌ من التواصل الثقافي بين الملحقيات الثقافية للدول الغربية والطبقات المثقفة من الدول الإسلامية التي تحتضن هذه الملحقيات، وتعقد الندوات العلمية _________ (٢) الاستشراق والمستشرقون، مصطفى السباعي، ص٢٣-٢٤.
٣ – الدافع السياسي: يقول الدكتور مصطفى السباعي ﵀ "وهنالك دافع آخر أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية، ففي كل سفارة من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول سكرتير أو ملحق ثقافي يحسن اللغة العربية؛ ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته، وكثيرًا ما كان لهذا الاتصال أثره الخطير في الماضي حين كان السفراء الغربيون - ولا يزالون في بعض البلاد العربية والإسلامية - يبثون الدسائس للتفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض، وبين الدول العربية والدول الإسلامية، بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة بعد أن درسوا تمامًا نفسية كثيرين من المسؤولين في تلك البلاد، وعرفوا نواحي الضعف في سياستهم العامة، كما عرفوا الاتجاهات الشعبية الخطيرة على مصالحهم واستعمارهم" (٢) . وقد ظهر - حقًا - في الآونة الأخيرة في معظم الدول الإسلامية والعربية نوعٌ من التواصل الثقافي بين الملحقيات الثقافية للدول الغربية والطبقات المثقفة من الدول الإسلامية التي تحتضن هذه الملحقيات، وتعقد الندوات العلمية _________ (٢) الاستشراق والمستشرقون، مصطفى السباعي، ص٢٣-٢٤.
1 / 17
والحفلات الأدبية، بحجة تبادل الآراء والأفكار أو ما سمي في العصر الحديث بالتقارب الديني أو الحوار الحضاري، والهدف الأول والأخير من انعقاد هذه الندوات هو تحويل المسلمين عن دينهم، وإيجاد طبقة من المثقفين ولاسيما الذين يشغلون مناصب عالية في الدولة من تحقيق بعض أهدافهم السياسية في كسر الحواجز وإزالة العراقيل التي تحول دون الوصول إلى مآربهم في تلك البلاد، وأيضًا هناك مطلب مهم جدًا يقصدونه هؤلاء من وراء ملحقياتهم وهو اختيار بعض الناس من أبناء البلاد التي هم فيها ليكونوا لهم عيونًا لخدمة مصالحهم في جميع المجالات.
٤ – الدافع الاقتصادي: وهو من الدوافع التي ساعدت على تنشيط حركة الاستشراق وهي أن الدول الغربية بعد أن تعرفت على المنطقة الإسلامية وتعرفت على ثرواتها وخيراتها، أرادت أن تفتح مع هذه المنطقة صفحة أخرى أو علاقة أخرى من العلاقات التي تروي اقتصادهم وتدعم مصانعهم وشركاتهم، وبالتالي تسهل عليهم حركة التطور العلمي والتقني، وذلك بالاتصال المباشر مع العالم الإسلامي اقتصاديًا وذلك باستيراد ما تفتقر إليه من المواد الخام الطبيعية وبأسعار زهيدة وبخسة، حفاظًا على مستوى التصنيع والتقنية عندهم، وإبقاء لمستوى التراجع والتخلف في منطقتنا الإسلامية، التي كانت مهدًا للصناعات والاختراعات، وجعلها منطقة استهلاك فحسب، وبذلك يتم القضاء كليا على الصناعات الوطنية والمحلية. ومن أهم نتائج هذا الدافع وثمراته أن أموال المسلمين ومصالحهم صارت بأيدي الغربيين، فمعظم أغنياء المسلمين وأصحاب الثروات الكبيرة والأرصدة
٤ – الدافع الاقتصادي: وهو من الدوافع التي ساعدت على تنشيط حركة الاستشراق وهي أن الدول الغربية بعد أن تعرفت على المنطقة الإسلامية وتعرفت على ثرواتها وخيراتها، أرادت أن تفتح مع هذه المنطقة صفحة أخرى أو علاقة أخرى من العلاقات التي تروي اقتصادهم وتدعم مصانعهم وشركاتهم، وبالتالي تسهل عليهم حركة التطور العلمي والتقني، وذلك بالاتصال المباشر مع العالم الإسلامي اقتصاديًا وذلك باستيراد ما تفتقر إليه من المواد الخام الطبيعية وبأسعار زهيدة وبخسة، حفاظًا على مستوى التصنيع والتقنية عندهم، وإبقاء لمستوى التراجع والتخلف في منطقتنا الإسلامية، التي كانت مهدًا للصناعات والاختراعات، وجعلها منطقة استهلاك فحسب، وبذلك يتم القضاء كليا على الصناعات الوطنية والمحلية. ومن أهم نتائج هذا الدافع وثمراته أن أموال المسلمين ومصالحهم صارت بأيدي الغربيين، فمعظم أغنياء المسلمين وأصحاب الثروات الكبيرة والأرصدة
1 / 18
العالية، يودعون أموالهم وأسهمهم في بنوك الغربيين، حيث لا يصل إليهم من هذه البنوك إلا النزر اليسير من الأرباح، أما الغربيون فيربحون من وراء هذه الأرصدة الملايين والمليارات، وإذا صارت هناك إشكالات أو مشكلات سياسية بين هذه الدول الغربية والدول الإسلامية، ربما تؤدي بتلك الأموال المودعة إلى التجميد أو إلى الاستيلاء عليها، ولا يحق لأصحابها استرجاعها أو المطالبة بها، كما حدث في الآونة الأخيرة في أمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى، التي اتهمت مؤسسات وشركات ومنظمات خيرية بدعمها للإرهاب من أجل حيازة أرصدتهم وأموالهم، وكل ذلك ثمرة واضحة لمخططات المستشرقين مع دولهم الاستعمارية لنهب ثروات الأمة الإسلامية بشتى السبل والوسائل.
٥ – الدافع العلمي: بعد أن تعرفنا على مجموعة من الدوافع المغرضة للاستشراق والمستشرقين، فإن هناك فئة قليلة ونادرة جدًا من هؤلاء الغربيين الذين يقبلون على دراسة الإسلام دراسة حقيقية لفهمه والاطلاع عليه، مجردين من الدوافع والأغراض التي سبق ذكرها، وهؤلاء يعدون من الصادقين في أبحاثهم ودراساتهم، إلا أنهم غير مدعومين من الدول الغربية، ولا من المؤسسات الاستشراقية التي تأسست على أساس تشويه الإسلام وتحريف أحكامه عند الناس، من أجل ذلك لا يكون لهم صيت قوي وشهرة شائعة في الأوساط العلمية والسياسية والدولية. وربما يجد هذا القسم من المستشرقين مضايقات وعقوبات من قبل حكوماتهم لأنهم لا يمثلون وجهة نظرهم ولا يخدمون مصالحهم، ومن هؤلاء المستشرقين من يعتنق الإسلام بعد أن يدرس الإسلام دراسة عميقة ومجردة، وربما يتحول
٥ – الدافع العلمي: بعد أن تعرفنا على مجموعة من الدوافع المغرضة للاستشراق والمستشرقين، فإن هناك فئة قليلة ونادرة جدًا من هؤلاء الغربيين الذين يقبلون على دراسة الإسلام دراسة حقيقية لفهمه والاطلاع عليه، مجردين من الدوافع والأغراض التي سبق ذكرها، وهؤلاء يعدون من الصادقين في أبحاثهم ودراساتهم، إلا أنهم غير مدعومين من الدول الغربية، ولا من المؤسسات الاستشراقية التي تأسست على أساس تشويه الإسلام وتحريف أحكامه عند الناس، من أجل ذلك لا يكون لهم صيت قوي وشهرة شائعة في الأوساط العلمية والسياسية والدولية. وربما يجد هذا القسم من المستشرقين مضايقات وعقوبات من قبل حكوماتهم لأنهم لا يمثلون وجهة نظرهم ولا يخدمون مصالحهم، ومن هؤلاء المستشرقين من يعتنق الإسلام بعد أن يدرس الإسلام دراسة عميقة ومجردة، وربما يتحول
1 / 19
إلى داعية ومفكر يدافع عن حمى الإسلام ودياره، ومن هؤلاء المستشرقين الذين كان هذا شأنهم المفكر محمد أسد صاحب كتاب "الإسلام على مفترق الطرق"، وتوماس أرنولد صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" والذي ركز فيه على التسامح الديني في الإسلام والتزام المسلمين بهذا المبدأ عبر التاريخ، إلا أنه تعرض لأكبر هجمة استشراقية واتهموه بأنه لم يعتمد في كتابه على الأدلة العلمية، وإنما على عاطفته تجاه المسلمين، رغم أنه لم يورد حادثة من التاريخ إلا ووثقها من مصادرها ومراجعها العلمية.
ومن هؤلاء المستشرقين أيضًا المستشرق الفرنسي "دينيه" الذي أسلم في الجزائر وغيّر اسمه إلى "ناصرالدين دينيه" وألف مع كاتب جزائري كتابًا في السيرة النبوية، وله كتاب "أشعة خاصة بنور الإسلام" الذي بيّن فيه حقد الغرب وتحاملهم على الرسول ﷺ (١) .
_________
(١) انظر: أجنحة المكر الثلاثة، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني.
1 / 20