بالمتواتر (^١)، وما عَدَاهُ عنده ظنيٌّ، لكنه، لا ينفي أنّ ما احْتَفَّ بالقرائن أرجحُ مما خلا عنها.
[أنواع الخبر المُحْتَفّ بالقرائن]:
والخبرُ الْمُحْتَفُّ بالقرائن أنواعٌ:
أ - منها: ما أخرجه الشيخانِ في صحيحيهما، مما لم يبلغ التواتر (^٢)، فإنه احتفَّتْ به قرائنُ، منها:
- جلالتهما في هذا الشأن.
- وتقدُّمهما في تمييز الصحيح على غيرهما.
- وتلقِّي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقِّي وحده أقوى في إفادة العِلْم مِن مجردِ كثرةِ الطرق القاصرة عن التواتر.
[الشرط في تلقّي حديث الصحيحين بالقبول]:
إلا أنّ هذا:
١ - يختصُّ بما لم يَنتقدْه أحدٌ مِن الحفّاظ مما في الكتابين (^٣).
_________
(^١) تعليق: "ومَن أبى الإطلاقَ خَصّ لفظَ العلمِ بالمتواتر": نقولُ: هل هو العلم الضروري أو النظري؟!
كان الأَولى أن يَذْكر المؤلف، ﵀، هنا ما هو الذي في مقابل ما يفيد العلم النظري، وهو الذي يفيد العلم الضروري، وهو الذي يفيده المتواتر.
فلو قال هنا: (ومَن أبى إطلاق العلم قصدَ به العلمَ القطعيَّ الضروريَّ، وهو الذي يختص به المتواتر)، لو قال ذلك لكان أوضحَ ولَزال الإشكال، وهذا يدل على أنّ الخلاف الحاصل في الموضوع مبْناه على استخدام الألفاظ واستعمال المصطلحات للدلالة على المعاني المقصودة لدى المتكلم، وعلى معنى ذلك عند السامع والقارئ أيضًا -كما ذكرتُ سابقًا-.
(^٢) في بعض النسخ: "يبلغ حدّ التواتر"، وقد ذكَرَ الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في "الفتاوى"، ١٨/ ٤١، أنّ جمهور أحاديث الصحيحين مِن قَبِيل المتواتر.
(^٣) قوله: «إلا أنّ هذا يختصُّ بما لم ينتقدْه أحدٌ مِن الحفّاظ مما في الكتابين»: مُلَخَّصُ الأحاديث التي استدركها بعضهم، كالإمام الدارقطني على الأحاديث المسنَدة في الصحيحين هي -بحسَب إفادات الإمام ابن حجر- على النحو التالي: ٧٨ حديثًا انفرد بها البخاري، و١٠٠ حديث انفرد بها مسلم، و٣٢ حديثًا عندهما جميعًا؛ فمجموع هذه الأحاديث المستدرَكة عليهما: ٢١٠ حديث. مجموع ما عند البخاري منها: ١١٠ حديث، ومجموع ما عند مسلمٍ منها: ١٣٢ حديث. والتعبير بالاستدراك هنا -كما عبّر به المؤلف، ﵀، في الفتح- أَوْلى عندي مِن التعبير بالانتقاد. وليس مُسَلَّمًا بكلِّ هذه الاستدراكات، وقد أَوْرَدها الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في الفصل الثامن، وأجاب عن ذلك في دراسةٍ مطوَّلةٍ على وجْه الإجمال والتفصيل، وفنّد هذه الاستدراكات بمنهجٍ علميٍّ رَصِين يَسُرُّ الناظرين وبعباراتٍ رائقة عالية، أحسنَ الله إليه.
1 / 70