وفيها، أيْ: الآحاد:
[أقسامها من حيث القبول والردّ]:
أ - المقبول (^١): وهو ما يجب العمل به عند الجمهور.
ب- وفيها المردود: وهو الذي لم يَرْجَحْ صِدْقُ المُخْبِرِ به؛ لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها، دون الأول، وهو المُتَوَاتِرُ، فكلُّهُ مقبولٌ؛ لإفادته القطعَ بصدْقِ مُخْبِرِهِ، بخلاف غيره من أخبار الآحاد.
[صُورُ القبول والردّ وأساسهما]
لكن إنما وجب العمل بالمقبول منها لأنها إما (^٢):
_________
(^١) الحديث مِن حيثُ القبولُ وعدمُه: عبّرَ المصنِّف، رحمه الله تعالى، بكلمة: "مقبول"؛ للدقة؛ لِيَدْخُل فيه الصحيح والحسن.
ثم علل التقسيم إلى مقبول ومردود بقوله: "؛ لِتَوَقُّفِ الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها … ".
وإطلاقه هنا كان ينبغي أن يُقَيَّدَ، إلا إنْ كان المراد القطع بصدق مخبره بدون بحثٍ أو نظر، فإن أراد هذا -وهو الظاهر- فهو صحيح؛ فالمتواتر مقبولٌ كله ويفيد القطع بصدْق مخبِرِه دون حاجة إلى بحث ونظر إلا لغرض التأكد مِن توافُرِ شروط التواتر فيه، بخلاف الآحاد.
(^٢) الخبر على ثلاثة أقسام:
فالأول: أنْ يوجد فيها أصْلُ صفةِ القبول، وَيَغلب على الظن صدْقُ الخبر، لثبوت صدق ناقله فيؤخذ به.
لكننا متعَبَّدون بالعمل بأغلب الظن؛ فلم يُكلَّفْ العِبادُ بالقطع واليقين في كل شيء، وهذا مِنْ نعم الله؛ ولهذا قامت معظم أدلة الشرع على مجرد الثبوت، دون الثبوت القطعي، فالقطع واليقين شيء زائد على الصحة، ولا شك في أن النفسَ إلى القطع واليقين أَمْيَلُ، وبه أوثق، ولكنه ليس شرطًا، وإنما هو أمرٌ زائدٌ على أصل الصحة الذي تَقُومُ به الحجة الشرعية.
والإعراض عن الاحتجاج بالظن الغالب، اتّباعٌ لما يضادُّه مِن الظن غيرِ الغالب! وليس بهذا نطقت السنة والكتاب، ولا بهذا قالت العقول والفِطَر، التي فطرها ربُّ الأرباب.
والثاني: أن يوجد فيها أصل صفة الرد، ويَغْلب على الظن كذِبُ الخبر؛ لثبوت كذِب ناقله فَيُطْرح.
والثالث: أن لا يوجد فيه صفة القبول أو صفة الرد. ومِن حكمة الله أنه ليس مِن شيءٍ مما يحتاجه المرء في دينه لا يثبت الثبوتَ الذي تقوم به الحجة، أَيْ: أن جميع الأدلة الشرعية ثابتةٌ الثبوتَ الذي تقومُ به الحجة-باختلاف درجات الثبوت-أمّا ما لم يُعْرف صدْقه مِن كذبه مِن الأمور فهذا ليس منه شيء مما يُحْتاج إليه في الدِّين.
قال ابن تيمية ﵀: «والعلم إما نقل مُصَدَّق عن معصوم، وإما قولٌ عليه دليل معلوم، وما سِوَى ذلك فإما مزيَّف مردود، وإما موقوفٌ لا يُعْلم أنه بهرجٌ ولا منقود»، «مقدمة في أصول التفسير»، في مقدمته لها. طبعة د. عدنان زرزور، ص ٣٣.
ويقول: «الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يُعْلم بغير ذلك.
إذ العلم إمّا نقلٌ مصدَّقٌ، وإما استدلالٌ مُحَقَّق.
والمنقول: إما عن المعصوم، وإما عن غير المعصوم.
والمقصود: أن جنس المنقول سواء كان عن معصوم أو غير معصوم -وهذا هو الأول- فمنه ما يمكن معرفة الصحيح مِن الضعيف، ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك، وهذا القسم الثاني مِن المنقول -وهو ما لا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه- عامّتُه مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه مِن فضول الكلام.
وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته؛ فإن الله تعالى نَصَبَ على الحق فيه دليلًا.
فمثال ما لا يفيد، ولا دليل على الصحيح منه، اختلافهم:
- في لون كلب أصحاب الكهف.
- وفي البعض الذي ضَرَبَ به موسى من البقرة.
- وفي مقدار سفينة نوحٍ، وما كان خشبها؟
- وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك.
فهذه الأمور طريقُ العلم بها النقل.
فما كان مِن هذا منقولًا نقلًا صحيحًا عن النبي ﷺ، كاسم صاحب موسى أنه الخَضِر، فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك … فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة …»، "مُقدّمة في أصول التفسير"، بتحقيق د. عدنان زرزور، الكويت - بيروت، دار القرآن الكريم ومؤسسة الرسالة، ط. الثانية، ١٣٩٢ هـ-١٩٧٢ م، ص ٥٥ - ٥٧.
1 / 66