٦ - وأبو حفْصٍ الميانجي (^١) جزءًا سَمَّاهُ: "ما لا يسعُ المحدِّثَ جَهْلُهُ" (^٢). وأمثال ذلك مِن التصانيف التي اشتهرت، وبُسِطَتْ (^٣)؛ لِيَتَوَفَّر علمها، واخْتُصِرَتْ؛ لِيَتَيَسَّر فهْمها، إلى أن جاءَ:
٧ - الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبد الرحمن [٢/ ب] الشَّهْرَزُوْرِي نزيل دمشق (^٤) فجمع -لَمّا وَلِيَ تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية- كتابَهُ المشهور (^٥)، فهذَّب فُنُونَهُ، وأملاه شيئًا بعد
_________
(^١) هو عمر بن عبد المجيد بن الحسن الميَانِشي والميانجي، نسبةً إلى مَيانِش قرية بإفريقية. نزيل مكّة، شيخ الحرم، المتوفى ٥٨١ هـ.
(^٢) قد تواردَ كلام المتخصصين على أنّ الأمر بعكس ما يَحْمله عنوانُ هذه الرسالة، وأنّ المحدِّث يَسَعُهُ جهْلُ ما في هذه الرسالة، التي جاءت في نحو سبع صفحات، ومع ذلك، ليست كلها في أمورٍ مهمة!
فكتاب الميانجي اسمه أكبرُ مِن واقعه. صحيحٌ أنه صاغ شيئًا مما لا يسع المحدِّثَ جهلُه في وريقاتٍ إلاّ أنّ ما يحتاج إليه المحدِّث أكبرُ من ذلك بكثير.
(^٣) "بُسِطَتْ" عكْسُ "اخْتُصِرَتْ".
(^٤) وهو مشهور بابن الصلاح، (٥٧٧ - ٦٤٣ هـ).
(^٥) واسمه: "علوم الحديث"، وكذلك "مقدّمة ابن الصلاح". وقد نُشر في عدة طبعات، منها: ط. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، بتحقيق نور الدين عتر، الثانية، ١٩٧٢ م.
ومقدمة ابن الصلاح هي كما ذَكر ابن حجر، ﵀، قد التزم فيها بالجمع مِن كتب الخطيب وغيره. وتمتاز بالشمول في تَناوُلِ علوم الحديث، وبما ذكره ابن حجر مِن الملاحظة على الترتيب يضاف إليه أنّ المؤلف ﵀ عَرَضَ لعلومِ الحديث على عناوين مرقَّمَة أوصلَها إلى ٦٥ نوعًا، أشار إليها في أول الكتاب، وقال: «وهذه فهرِسْت أنواعه»، وذكرها سرْدًا ثم تناولها على ذلك الترتيب الذي ذكره، وهذا أسلوبٌ جيّد، يَدُلُّ على جودة الترتيب العامّ لموضوعات الكتاب.
ولكنّ ملاحظة الإمام ابن حجر تَصْدق على ما هو أخصُّ مِن العناوين العامّة، حيث جاءت كثيرٌ مِن القضايا في صورةِ ملاحظات، وتعقيبات، ونحو ذلك، وقد أوردها في مظانّ قد يكون غيرها مِن المواطِن أَوْلى بها منها.
وسار على هذا النهج السيوطي في تدريب الراوي، وكثيرٌ غيرُهُ، ممن كَتَب حول "علوم الحديث"، أو حول: "مقدمة ابن الصلاح".
ولعله بهذا يتبين لك أنّ ملاحظة ابن حجر في مكانها، أيضًا، بالنظر إلى التصنيف الذي ابتكره ابن حجر في "نزهة النظر"، وهي طريقةُ السَّبْر والتقسيم، الحاصِرة لأنواعِ علوم الحديث، فهذه طريقةٌ عقليّةٌ في التأليف منضبطة.
1 / 45