Nushu Lugha Carabiyya
نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها
Genres
تصحيفات وتحريفات وتشويهات المعربات
اجتمعت عدة علل على تصحيف الكلمة العجمية ومسخها مسخا شنيعا وتشويهها تشويها غريبا، عند نقلها إلى لغة الضاد المبينة، ودونك بعض هذه العلل:
الأولى:
وجود أحرف غربية، يافثية غير مألوفة في كلام أبناء يعرب، وقلت: غير مألوفة ولم أقل: غير معروفة؛ لأني أذهب إلى أن تلك الأحرف الأعجمية كانت معروفة عند العرب في سابق العهد عند اختلاط الأمم والقبائل بعضها ببعض في أول نشوئها، وبامتزاج العناصر بعضها ببعض، وبدليل أن سيبويه ذكر هذه الأحرف في كتابه، على أننا نقول: إن أغلب تلك الأحرف زالت واضمحلت من الاستعمال؛ استغناء بالسهل الممتنع منها عن الصعب القبيح على السمع، فلم يبق منها إلا القليل عند بعض القبائل وفي طائفة من المدن.
الثانية:
لما قل استعمال تلك الأحرف، بل لما ماتت في كلام كثيرين من أهل الفصاحة، لم يتمكن جمهور من أبناء الفصحى من أن ينطقوا بها عند اختلاطهم اختلاطا جديدا بأهل الحضارة الغربية من الأعاجم، ولا سيما بعد اعتزالهم في الشرق مدة طويلة، فنشأت في لغاتهم أحرف جديدة، فلم يتمكن السلف من التلفظ بكثير من تلك الكلم، فصحفوها تصحيفا، يختلف باختلاف سامعيها؛ ولذا لم يجر فيها على سنن واحد لاحب، ولا على وجه قياسي مطرد.
الثالثة:
أن كثيرا من تلك الكلم لما صورت بحروف عربية اختلطت قراءتها على الجاهلين بنطقها وحقيقتها ومعناها وصحة التلفظ بها، فاضطروا إلى أن يتوهموا فيها ما أرادوا وعلى ما يوحي إليهم وهمهم أو خاطرهم أو علمهم، فجاءت بعيدة عن أصولها الأول، ووضعوا لها تفاسير غريبة ظاهرة التكلف كل الظهور.
الرابعة:
أن رسم الحروف العربية زاد الطين بلة؛ إذ كثيرا ما تتشابه بينها، ولا سيما أن هناك من يهمل إعجامها أو تنقيطها، إما جهلا للفظة أو غرابة صيغتها، وإما لأنه لم يجدها بصورة قد ألفها أو أنس إليها، في حين أن تنقيطها أمر ضروري لا غنى عنه، فكان ثم القضاء المبرم على صحة لفظ تلك الكلمة، وحاق التصحيف الماسخ لها، فنشأ عندنا كلم لا هي عربية، ولا هي غربية، بل هي من لغة لا يعرفها الإنس ولا الجن، ولم يتمكن أحد من علماء الضاد وغير الضاد من معرفة الأصول التي نقلت عنها، وبقيت من الألفاظ المطلسمة، وسوف تبقى كذلك إلى ما شاء الله.
Unknown page