121

Nur

النور لعثمان الأصم

Genres

فالمؤمن الذي شغل نفسه بالإيمان، لا يقدر على الكفر، لشغله بغيره. فكذلك الكافر، لشغله بالكفر، لا يقدر على الإيمان، لأن الإنسان لا يقدر أن يأتي بشيء وهو مشغول بغيره، كالذي يكون قائما، فلا يقدر أن يأتي بالقعود في حال القيام. والقاعد لا يقدر أن يأتي بالقيام، وهو في حال القعود. ولكن كل من كان في شيء من الأمور، فهو قادر أن يأتي بغير ذلك، إذا ترك ما هو فيه، مما هو مشغول به فحينئذ قدر أن يأتي بغيره فالبارئ عز وجل إذا علم من العبد، أنه لا يؤمن، فلا يترك التشاغل بالكفر، والأخذ في الإيمان. فالعبد لا محالة، على ما علم الله منه، من غير أن يقال: إن علم الله ساق أحدا إلى ما يعمل من خير وشر ونفع وضر.

وإنما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفرة أن يخرجوا من معلوم إلى معلوم. من معلوم الكفر الذي هم له عاملون، إلى معلوم الإيمان، الذي هو مشغولون بغيره. فدعاهم أن يتركوا ذلك التشاغل بالكفر، الذي قد اشتغلوا به، ويشتغلوا بالإيمان. فمن راجع منهم، وآخذ في صلاح نفسه، وتارك الاشتغال بالكفر، ومن مقيم على كفره. والخلق كلهم، يعلم الله أعمالهم، وما يئول إليه أمرهم. يعمل الله ذلك كله، كقوله تعالى: { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } وبالله التوفيق.

الباب الخامس والثلاثون والمائة

في الوعد والوعيد

والرد على المرجئة

الوعد: وعد الله أهل الطاعة من الثواب، في الآخرة. وهو حق. والوعيد: ما أوعد الله أهل الكفر والفسوق على المعاصي، العقاب في الآخرة. وهو حق.

قالت المرجئة في وعيد الله: إنا وجدنا الكريم فيما بيننا، إذا توعد العقوبة، ثم عفا، كان أحسن في صفته. فإذا كانت العرب تفتخر، وتتبجح بالصفح عن الجرائم. فالله تعالى أولى بالصفة الجميلة، وكل صفة حسنة.

Page 121