قالت: فتلك -إذن- غايةُ الحياة؛ أن تتصل بالله وتعبده، وأن تُعِدّ نفسَك لحياة الخلود.
* * *
وعادت النفس تقول: إن غاية الحياة تتحقق كلها في الصلاة؛ فالصلاة اتصال بالله واستعداد لحياة الخلود، ثم إنها لذة لا تعدلها -إذا أقيمت على وجهها- لَذّةٌ من لذائذ الدنيا، وهي راحة للنفس ومتعة وليست تكليفًا شاقًا ولا «مهمة» صعبة.
وليست الصلاة ركوعًا وسجودًا ورياضة، فإن ذلك جسمها. والجسم لا يقوم إلا بالروح، فإذا خلت منها الصلاة كانت صلاة ميتة لا تنهى عن فحشاء ولا منكر ولا تُشعِر بلذة. أما روح الصلاة فهي أنك إذا طهّرت أعضاءك بالماء طهّرت نفسَك بالتوبة، وذلك هو الوضوء الحق. وإذا قمت إلى الصلاة وقلت «الله أكبر» خرجتَ من دنياك وارتفعت عنها كمَن يرتفع في طيارة حتى تراها -كما هي في الحقيقة- ذرّة صغيرة تافهة، ولم تخشَ عدوًا، ولا شغلك حبُّ حبيب ولا ملأ نفسَك همّ ولا غم ولا لذة ولا متعة، لأنك تتوجه إلى الله، والله أكبر من ذلك كله وبيده كل شيء، فأنت كمَن يتصل بالوزير أو الحاكم المطلق (ولله المَثَل الأعلى)، فهل يفكر بين يديه بحاجة له عند موظف صغير ويشتغل بذلك عن حديث الحاكم أو الوزير؟
فالصلاة تحقيق لغاية الحياة وحياةُ لحظات في «الحياة الأخرى». وهي اللذة التي لا تقدر لغات البشر على وصفها، ولكن الناس يرون منها بُروقًا خاطفة في ساعة من ساعات السحَر،
1 / 34