Nur Wa Farasha
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Genres
ارتفع أيها القلب العامر بالحب لخالقك.
كن أنت مولاي، كن إلهي، أنت يا من تحب الخلق أجمعين ،
يا من خلقتني وخلقت الشمس والقمر
والنجوم والأرض والسماء.
هذه الأبيات تذكرنا بما جاء في القرآن الكريم في سورة الأنعام (74-79) في مناجاة إبراهيم لربه:
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين * وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين .
والغريب أن هذه السورة وجدت ضمن السور التي ترجمها جوته نفسه عن ترجمة ماراتشي اللاتينية، وتظهر فيها دقة الفهم وجمال الأداء وشاعريته، كما تتجلى تقواه وإيمانه بالطبيعية كمظهر من مظاهر القدرة الإلهية. ولعل عقيدته التي صاحبته طوال حياته وتأثر فيها أبلغ التأثر بمذهب اسبينوزا في وحدة الوجود - وهو المذهب الذي يتلخص في هذه العبارة المشهورة «الله أو الطبيعة» - لعل هذه العقيدة هي التي قربته من الإسلام وجعلت له هذه المكانة في قلبه. ولا يصح أن نتهمه بعد هذا بأنه خلط في فهمه للإسلام بين وحدة الوجود - وهو شيء بعيد كل البعد عن روح الإسلام - وبين التوحيد. فربما يغفر له أنه وجد في قراءاته للقرآن الكريم آيات كثيرة تؤيد إيمانه بأن الله يتجلى في كل مخلوقاته على اختلاف مظاهرها. ويكفي أنه أنصف الإسلام وقدره في وقت كان فيه المستشرقون يكادون يجمعون على الافتراء عليه، ولم تكن الدراسات الإسلامية والعربية قد برئت بعد من التعصب، ولا وصلت - على الأقل عند عدد لا يستهان به من الدارسين الغربيين - إلى درجة كافية من الحياد والإنصاف. ويكفي كذلك أن نعلم أن هذه الشذرة من مسرحيته التي لم تتم تختلف تمام الاختلاف عن مسرحية أخرى عن محمد كتبها فولتير وهاجم فيها الرسول أشد الهجوم. وإذا كان جوته قد ترجم هذه المسرحية الأخيرة وعرضها على مسرح «فيمار» الذي كان يتولى الإشراف عليه، فقد أثبت البحث الحديث أنه اضطر إلى ذلك تنفيذا لرغبة كل من صديقه وراعيه كارل أوجوست أمير فيمار ووالدته وزوجته.
ولعل أكثر ما أعجب جوته في الإسلام وصادف هوى من نفسه هو هذا التسليم المطلق لمشيئة الله، كما لاحظه في القرآن الكريم وفي أخلاق المسلمين. والأغرب من هذا أنه عاش طوال حياته مؤمنا بهذه الروح الإسلامية التي أخطأ فهمها الغربيون والمسلمون أنفسهم في عصور التدهور، فكانت عزاءه في المحن والملمات. وما أكثر ما كان يقول حين تصيبه مصيبة فلا يجد أمامها سوى الصبر والإذعان والتسليم: «ليس لدي ما أقوله سوى أنني ألجأ هنا أيضا إلى الإسلام.» قال هذا عندما مرضت زوجة ابنه مرضا خطيرا، كما كتب أيضا في رسالة إلى إحدى صديقاته حين انتشر وباء الكوليرا من حوله في سنة 1831م:
لا يستطيع أحد أن يشير على أحد بشيء، فليقرر كل امرئ بنفسه ما يشاء، نحن جميعا نحيا في الإسلام أيا كانت وسيلتنا في التذرع بالصبر والشجاعة.
كان رأي جوته دائما أن الاطمئنان والتسليم بمشيئة عالية هما الأساس المكين الذي يقوم عليه التدين الصحيح، وهي مشيئة تدبر حياتنا وأقدارنا، ولا نستطيع أن ندرك كنهها لأنها تسمو على أفهامنا ومداركنا. وقد تمثلت له هذه العقيدة في الإسلام قبل أي دين آخر، فكان هذا هو سر احترامه له واهتمامه الطويل به. ويظهر أن اقتناعه بفلسفة اسبينوزا منذ شبابه، وإيمانه بمذهب الحتمية الذي قال به الفيلسوف الهولندي
Unknown page