Nur Wa Farasha
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Genres
صلى الله عليه وسلم ، وبين السنتين حياة طويلة خصبة أظهر فيها الشاعر احترامه وتقديره للإسلام بمختلف الطرق. وتجلى هذا كما قلت في كتاب يعد إلى جانب فاوست من أعذب وأنقى أعماله، وهو الديوان الشرقي، الذي لم يكن ممكنا أن يظهر إلى الوجود لولا صلته الحميمة بروح الإسلام التي تشيع فيه، ويكفي أن نتذكر العبارة التي كتبها في إعلانه عن ظهور هذا الكتاب وقال فيها إنه لا يكره أن يشاع عنه أنه مسلم.
وليس مرجع هذه العلاقة الحميمة بالإسلام ونبيه الكريم أنه درس القرآن منذ شبابه دراسة وافية في ترجماته اللاتينية والإنجليزية والألمانية، بل حاول أن يتعلم اللغة العربية ويجرب الكتابة العربية. وليس مرجعه أنه تأثر بأفكار عصر التنوير وما دعت إليه من تسامح ديني، بل لعل السبب الأكبر أنه وجد في الإسلام من الآراء والأفكار ما تصور أنه يتفق مع عقيدته وفكره ومذهبه في الحياة (الذي نعلم اليوم مدى تأثره بفلسفة اسبنيوزا).
وأول ما يخطر على البال في هذا الصدد أن اهتمامه في شبابه بدراسة القرآن الكريم قد أوحى إليه بمشروع كتابة مأساة أو تراجيديا عن النبي. ولا شك أننا نأسف اليوم لأن هذه المأساة ظلت شذرة لم تكتمل ولم يبق منها إلا أغنية محمد التي كانت فاتحة الفصل الأول.
ومع ذلك يتضح من الأجزاء التي لدينا مدى إعجاب الشاعر بشخصية الرسول الذي رأى فيه نموذجا للنبي الذي لم ينشر دعوته بالكلمة وحدها، بل عمد وجاهد وتحمل الأذى في سبيلها. ويتضح لنا هذا الحب والإعجاب بشخصية النبي الكريم في الأغنية المشهورة «أغنية محمد» التي كتبها وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وكان يقصد بها في البداية أن تكون حوارا بين علي وفاطمة. وهو يصور النبي في صورة النهر القوي المتدفق الذي يبدأ رقيقا هادئا ثم يصل إلى أقصى قوته وعنفوانه ويتسع حتى يصب في البحر المحيط (رمز الألوهية). ولعل هذه الصورة - وبخاصة عند جوته الشاب المعتز بعبقريته، المؤمن بأن له رسالة إلهية لا تقل شأنا عن رسالة الأنبياء! - لعلها أن تكون تعبيرا عن الشاعر نفسه، وهذه هي الأبيات التي تتمثل فيها هذه الصورة:
ها هو يجري في الوادي
متلألئا بهيا،
والأنهار الجارية في الوهاد
والجداول الهابطة من الجبال
تهتف به صائحة: يا أخانا،
يا أخانا، خذ إخوتك معك،
Unknown page