وقد أنشد هذين البيتين أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري، قال: أنشدني علي بن سليمان السلمي لنفسه، فأنشدهما وزاد (فيهما):
ودمي، فلو أني علمتُ بأنَّهُ ... يروي ثراكَ، سقاهُ صوبُ الصائبِ
لسفكتهُ أسفًا عليكَ وحسرةً ... وجعلت ذاك مكانَ دمعٍ ساكبِ
ولئن ذهبتَ بملءِ قبركَ سؤددًا ... فجميلُ ما أوليتَ ليس بذاهبِ
وقال ابن بسام أيضًا:
كم قد قطعتُ إليك من ديمومةٍ ... نُطفُ المياه بها سوادُ الناظرِ
في ليلةٍ فيها السماءُ مرِذَّةٌ ... سوداءْ مظلمةٌ كقلبِ الكافرِ
والبرقُ يخفقُ من خلالِ سحابهِ ... خفقَ الفؤادِ لموعدٍ من زائرِ
والقطرُ منهلٌّ يسحُّ كأنّه ... دمعُ المودِّع إثر إلفٍ سائرِ
ومن ظريف ما في هذا المعنى قول بعض أهل العصر، وهو أبو العباس الناشئ حيث يقول:
خليليَّ هل للمزنِ مهجةُ عاشقٍ ... أم النَّارُ في أحشائها وهي لا تدري
أشارت إلى أرضِ العراقِ فأصبحتْ ... وكاللُّؤلؤِ المنثورِ أدمعها تجري
سحابٌ حكتْ ثكلى أُصيبتْ بواحدٍ ... فعاجت له نحوَ الرِّياضِ على قبرِ
تسربلُ وشيًا من خزوزٍ تطرَّزت ... مطارفها طرزًا من البرقِ كالتّبرِ
فوشيٌ بلا رقمٍ ونقشٌ بلا يدٍ ... ودمعٌ بلا عينٍ وضحكٌ بلا ثغر
وكتب أبو الفتح محمود بن الحسين السندي المعروف بكشاجم إلى بعض إخوانه في يوم شك بقوله:
هو يومُ شكٍّ يا عليُّ ... وأمرهُ مذ كان يحذرْ
والجوُّ حلَّتهُ ممس؟ ...؟كةٌ ومطرفة معنبرْ
والماءُ فضيُّ القميصِ ... وطيلسان الأرضِ أخضرْ
نبت يصعِّدُ زهرهُ ... في الرّوضِ قطر ندىً تحدَّرْ
ولنا فضيلاتٌ تكو ... ن ليومنا قوتًا مقدَّر
ومدامةٌ صفراءُ أد ... ركَ عهدها كسرى وقيصر
فانشط لنا لنحثَّ مِنْ ... كاساتنا ما كانَ أكبرْ
أو لا فإنّكَ جاهلٌ ... إن قلتَ: أنَّك سوف تعذرْ
وقال علي بن العباس الرومي:
من عذيري مِنْ أضعفِ النّاس ركنًا ... وبعينيهِ صولةُ الحجَّاجِ
شادنٌ يرتعي القلوبَ ببغدا ... دَ ولا يرتعي الكلا بالنّباحِ
ولئن قلتُ: شادنٌ إنَّ قلبي ... لأسيرٌ لغادةٍ مغناجِ
أقبلتْ والربيعُ يختالُ في الرَّو ... ضِ وفي المزنِ ذي الحيا الثَّجَّاجِ
ذو سماءٍ كأدكنِ الخزّ قد غيم؟ ...؟ت وأرضٍ كأخضر الديباجِ
فتجلّى عن كل ما يُتمنّى ... موعد الكذْ خذاةِ والهيلاجِ
فظللنا في نزهتين وفي حس؟ ... نينِ بين الأرمالِ والأهزاجِ
بفتاةٍ تسرُّنا في المثاني ... وعجوزٍ تسرُّنا في الزُّجاجِ
أخذتْ من رؤوسِ قومٍ كرامٍ ... ثأرها عند أرجلِ الأعلاجِ
وقال بعض أهل العصر، وهو أبو محمد الحسن بن (علي) بن وكيع:
قمْ فاسقني والخليجُ مضطربٌ ... والريحُ تثني ذوائبَ القصبِ
كأنَّها والرِّياحُ تعطفها ... صفُّ قنًا سندسيَّةِ العذبِ
والجوُّ في حلَّةٍ ممسَّكةٍ ... قد طرَّزتْها البروقُ بالذَّهبِ
وقال:
وسحابٍ إذا همى الماءُ فيه ... ألهبَ الرَّعدُ في حشاهُ البروقا
مثلُ ماءِ العيونِ لم يجرِ إلاّ ... ظلَّ يُذكي على القلوب حريقا
وقال أبو الفتح علي بن محمد البستي:
يومٌ له فضلٌ على الأيّامِ ... مزجَ السَّحابُ ضياءهُ بظلامِ
فالبرقُ يخفقُ مثلَ قلبٍ هائمٍ ... والغيم يبكي مثلَ طرفٍ هامِ
وكأنَّ وجهَ الأرضِ خدُّ متيَّمٍ ... وصلت سجامُ دموعهِ بسجامِ
فاطلبْ ليومك أربعًا هنَّ المنى ... وبهنَّ تصفو لذَّة الأيّامِ
وجهُ الحبيبِ ومنظرًا مستشرفًا ... ومغنيًا غردًا وكأس مدامِ
ومن مجموع ألفاظ أهل العصر في الربيع وحسن منظره، وفضل أحواله (وطيب) مخبره:
1 / 4