وروى غنجار من طريق بكر بن منير قَالَ: حُمل إلَى مُحَمَّد بن إسماعيل بضاعة، فاجتمع به بعض التجار، فطلبوها منه بربح خمسة آلاف، فقال لهم: انصرفوا الليلة، فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة [٩/ أ] بربح عشرة آلاف، فردَّهم وَقَالَ: إني نويتُ البارحة أن أدفع إلَى أولئك ما طلبوا، ودفعها إلَى الأولين، وَقَالَ: لا أحب أن أنقض نيتي.
وَقَالَ مُحَمَّد الوراق: كنتُ مع البُخَاريّ بفَربر وهو يصنف كتاب التفسير، فاستلقى يومًا، وكان قد أتعب نفسه في ذَلِكَ اليوم في التخريج، فقلت له: إني أراك تقول: ما أثبت شيئا بغير علم، فما الفائدة في الاستلقاء؟ قَالَ فكدَت (١)، وإن هذا ثغر، وكنت قد أتعبت نفسي، فخشيت أن يحدث حَدَثٌ من أمر العدو، فأحببتُ أن أستريح وآخذ أهْبَةً، فإن غافصنا (٢) عدو كَانَ بنا حِرَاك، قَالَ: وكان يركب إلَى الرمي كثيرًا فما أَعْلَمني في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين، بل كَانَ يُصيب في كُل ذَلِكَ ولا يُلْحَق (٣).
قَالَ: وسمعته يقول: دعوت ربي مرتين فاستجاب لي -يعني: في الحال- فلا أحبُّ أن أدعو بَعْدُ فلعله يُنْقِص حسناتي.
قال: وسمعته يقول: لا يكون لي خصم في الآخرة إن شاء الله فقلتُ له: إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ، ويقولون: فيه اغتياب الناس، فقالى: إنما روينا ذَلِكَ رواية، لم نقله من عند أنفسنا، وإنما قاله من قاله عَلى سبيل النصح.
قَالَ: وسمعته يقول: ما اغتبتُ أحدًا قط منذ علمت أن الغيبة حرام.
وقَالَ بكر بن منير: كَانَ مُحَمَّد بن إسماعيل يُصلي ذات يوم، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قَالَ: انظروا أي شيء هذا الَّذِي آذاني في صلاتي؟ فنظروا فإذا الزنبور قد وَرَّمَه في سبعة عشر موضعًا ولم يقطع صلاته.
_________
(١) كذا في الأصل، وهي في "تاريخ بغداد"، و"تهذيب الكمال"، و"سير أعلام النبلاء": "أتعبنا أنفسنا اليوم"، وفِي "هدي الساري": "أتعبتُ نفسي اليوم"، فلعلها تصحفت من كلمة "الكدّ".
(٢) غافصنا: غافصه: أخذه عَلى غرَّة.
(٣) "تاريخ بغداد" (٢/ ١٤)، و"تهذيب الكمال" (٢٤/ ٤٤٨)، و"سير أعلام النبلاء" (١٢/ ٤٤٤)، و"مقدمة فتح الباري" (٥٠٤).
1 / 92