وممَّن نبه عَلى ذَلِكَ: الحافظ أبو ذَرٍّ الهَرَويّ، عن الحافظ أبي إسْحَاق الْمُسْتَمْلِي راوي الصحيح، عن الفَربرِي صاحب البُخَاريّ، وأشار إلَى أن بعض من نقل الكتاب بعد موت مصنفه ربما ضم بابًا مترجمًا إلَى حديث غير مترجم، وأخلى البياض الَّذِي بينهما، فيصير بعض الناس يظن أن هذا الحديث يتعلق بالترجمة الَّتِي قبله، فَيَتمَحّل لَها وجوهًا من التحامل (١) المتكلفة، ولا تعلق لَها به ألبتة، عَلى ما أرشدنا إليه كلام المُستملي.
عَلى أن البُخَاريّ في هذا القدر دقيق النظر جدًّا، كثير العناية بالاقتصار عَلى الأخفى مع الإعراض عن الأجلى عَلى ما سيمر (٢) إن شاء الله تعالَى [٥/ أ] في أماكنه.
فهذا ما يتعلق بشرطه وشرط وضعه، وأمَّا مُناسبة ترتيب أبْوَابه عَلى ما هِيَ عليه الآن؛ فقد وقفتُ في ذَلِكَ عَلى مُجَلَّدة لشيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البُلقِيني، لخصتُ مقاصدها هنا، مع ما ضممت إليها مما تُشَاكلها:
فأقول: بدأ المصنف بقوله: "كيف كَانَ بدْءُ الوحي"؛ لأن بالوحي قامت الشرائع، وجاءت الرسالة، ومنه عُرف الإيمان والعلم.
وكان أوله إلَى النبي ﷺ بما يقتضي الإيمان من ذكر الربوبية، والأمر بالقراءة، والأمر بالإنذار، فعقَّبه بكتاب الإيمان.
وكان الإيمان أشرف العلوم؛ فقال: كتابُ العلم.
والعلم سابق العمل، وأفضل العمل البدني: الصلاة، ومن مُقَدِّمَاتها: الطَّهارة؛ فقال: كتابُ الطهارة، فذكرها بأنواعها.
ثم الصلاة بأنواعها، ثم مِنَ الأعمال ما يكون بَدَنِيًّا مَحْضًا وهو الصلاة، أو مَاليًّا مَحْضًا وهو الزكاة، أو جامعًا بينهما؛ فقال: كتابُ الزكاة، ثم قَالَ: كتابُ الحجِّ مُرَتبًا للبسيط قبل المُركب.
_________
(١) في الحاشية نسخة أخرى: "المحامل".
(٢) في الحاشية نسخة أخرى: "سَيُرَى".
1 / 79