وكان في جُملة من اغتنم المقيل، واستنصر على عدو الظمأ ذلك العَضْب الصَّقيل، وألمّ بالنوم الخفيف على الرَّحْلِ الثقيل لاَئِثُ عِمَّةٍ على هِمَّة، ومستظهر بِوَفرٍ وَذِمَّةٍ، ورَعْيِ ذمة، قد عبث الوَخْطُ منه بِلشمّضة، وجَلَتْ منه الخلَّةُ عن كاشفِ مُلِمَّة، بين يديه عِتاقٌ قُود، وعبيدٌ) تَحْسَبُهمْ أيْقَاظًا وهُمْ رُقُود (، فاشرأَبَّ عند سماع إنشادي، كما يشرئبُّ الرِّيمُ، وهزت حُميَّا الأدب منه عِطْف كريم، وصاح بصوتٍ جهير ينبئ عن منصبٍ شهير: من هذا الطارق؟ ومتى أوْمض هذا البارق؟ إني لآنَسُ مخيلة، غير بخيلة، وأنظرُ إلى مَظِنة، غيرِ ذاتِ عنّضة ليَدْنُ مِنِّي جُؤارك، ويُرْعَ جوارك، ويفتّح نوّارُك، وتتألق أنوارُك، ولم يزل يَحأْحِئُ ويُبَسْمل، ويُيَسِّرُ ويُجَمِّل ويرعى ولا يهمل، فلما دَنَوْتُ من مِهَادِه، وركضتُ في رُبَى الحديث ووهاده، وأصَبْتُ من زاد طريقه، وانخرطت في فريقه، وأطرفتني بأحاديث تغريبه وتشريقه، سفر منه الاختبار عن نِجَارٍ هاشمي، وكَرَمٍ حاتمي، ودارٍ فاسي، ومنصبٍ رياسي. ولمّا انخفض قرنُ الغزالة، ولاَنَ طبعُ الهواء من بَعْد الجزالة، ولم يبق من عمر اليوم إلا القليل، وَرُقْيَةُ النسيم تتردد على الأصيل العليل، وهو يجود بنفسه، ويسلك مسلكَ أمسه، والغرب يبتلع قرصَةَ شمسه، فَهُنَا نَقْضِي الدَّيْن، ونُقلّدُ رَقْمَ العِذَارِ كلَّ أسِيل الخَدَّيْن، ونغتنم ثاني الأبردين، فرفعت الرحال من فوق الظهور، وسرنا بنَصِّ السير على المذهب المشهور، وتركنا البيناتِ إلى جادة الجمهور، وقلت أيها الرفيقُ البَرُّ الصحابة، الأغرُّ السحابة، إن الشُقَّة بعيدة، والمَشَقَّةَ مُبْدِيَةٌ مُعيدة، ولا يُستعان على المراحل إذا سطت واستطالت، وليالي السُّرى إذا تَمَطَّتْ وطالت، إلا بتقارب الأخبار المنقولة، والآداب المهذبة المصقولة. فقال: أَثِرِ الكامن، وازْجُرِ الميامن، وابغِ الفَلك الثامن، واطلبْ غريم الغرائب، وأنا الضامن. قلت: أفسح لي مجالَ غرضك، واشرح لي معنى جَوْهَرِك وعَرَضِك، وَطِيَّةَ سفرك وعَوْدِكَ بِظَفَرِكَ إلى نَفَرِك. فقال أنا كالشمس أَجُوبُ هذه المنازل مرة في كل سنة، وأُحْصِي كلَّ سَيِّئَةٍ وحسنة، أطوي الفلاة، وأُبَهْرِجُ الوُلاة، فهم يرقبون النّوْبَة ويتوقعون الأوْبَة ويستعدون لخروج دابتي التي تُكلِّمُهُم بالإقلاع والتوبة، فأُسْعِطُ الأنوف، وأنتزع حتى الشنوف، وأُحَكِّمُ لساني فيمن ينساني، وأجود بظلِّ نيساني مَنْ يُقِرُّ إنساني، وأداول بين إساءتي وإحساني. وأتصدى للهدية الوِدِّية، وآنفُ من العطية البَطِيَّة، وأُوسِعُ البخيلَ هَجْرًَا وأُسْمِعُه هُجْرًَا. وأُقَرِّظُ مَنْ كَرُمَ نَجْرًَا، وَوَضَح فجرًا، [قُلْ لاَ أَسْألُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًَا] . فلا أزال أطلق عنانَ الصولة في جو الجولة، مُستظهرًا بوسيلة البيت ومنشور الدولة، أَسْلُو الخاملَ في تَرَفُّهِ النبيه، وأحكمُ للشبيه بحكم الشبيه ولا أقبل عذرًا لبطئ ولو شغلته خِفَارَةُ أبيه، أهجم هجوم السيل بالليل، وأجُرُّ على البيوت فضلَ الذَّيل، وأتَقَلَّبُ تَقَلُّبَ الفَلَكِ بين الاستقامة والمَيْل، وأَزِنُ كل بضاعة فأبْخَسُ في الوزن أو أُطفف في الكيل، وأُغررُ غرة الصباح بغرر الخيل، ولو على حي عامر بن الطفيل، وأرحل عن الحلة وقد هَمَدَتْ بعد ارتجاجها، وَسَكَنَتْ قَسَاطِلُ عَجَاجِها، وَصَمَتَ أَذينُ دَجَاجِها. وَفَلِيَتْ على الحرس رءوسُ مَحَاجِّها. وأعودُ والصُّرة لا يجتمع مِغْلاَفُها، والبِدْرَةُ لا يُقِلُّهَا مِعْلاقُها، والعِيَابُ، يَصْعُبُ معها الإياب، وتبرز من خلال أستارها الثياب، والخيل تمرح في الأرْسَان، وتختال في السُّروج المحلاة والجِلاَلِ الحسان. قلتُ لَعَمري لقد اتصل نطاق الكلام، وطال مدى التلاوة بين هذه الإقامة والسلام، فأَعرِضْ لي القوم عرضًا، وصِف الموارد عَمْدًا وفرضًا، وميز الهمم سماءً وأرضًا، وأخبِط العُصاةَ بعصاك حتى ترضى. فقهقه قهقهة الشقشاق، وتأوه تأوه العشاق، وكأنما كانت حاجةً في نفسه فقضاها، وعزيمةً يتجاذبها الكسل فأمضاها، فشام نصاله وانتضاها وقال خذهم بالتلابيب واجتثَّهم بِحُجَزِ الجلابيب، وَعِثْ عَيْثَ الغزالة وَشَبِيب في كل عرف وسيب، وابدأ بمن تريد. وارسل شهابَ فكرِك خلف كل شيطان مَريد، وَمَنْ غاب
1 / 41