كأن به - والله يبقيه - قد انتقل من مهد التنويم، إلى النَّهْجِ القويم، ومن أريكة الذراع، إلى تصريف اليراع، ومن كَتَد الداية، إلى مقامِ الهداية، والعناية المُخْتَطَفَةِ البداية، جعل الله وقايته عليه عُوذَه، وقَسم حَسَدته بين عُرَم اللحم من مُنْخَنِقَةٍ ونَطِيحَةٍ ومُتَرَدِّية ومَوْقُوذَة، وحفِظَ هلاله في البِدار إلى تِمِّه وبعد تِمِّه، وأقرَّ به عين أبيه وأمه. غير أنني - والله يغفر لسيدي - بيد أني راكعٌ في سبيل الشكر وساجد، فأنا عاتِبٌ وواجِد، إذ كان ظني أن البريد التي بهذا الخبر تُعْمَل، وأن إتحافي به لا يُهْمل، فانعكست القضية ورَابَت الحالُ المرضِيَّة، وفَضَلَت الأُمورَ الذاتية الأمورُ العَرَضية، والحكم جازم، وأحد الأمرين لازم: إما عدم السَّوِيَّةِ ويعارِضُه اعتناءٌ سَببُه مُغَار، وعُهْدَةُ سَلْمٍ لم تَدْخُلها جِزْيةٌ ولا صَغار، أو جهل بمقدار النعمة ويعارِضُه علم بمقدار الحقوق، ورِضى مُنافٍ للعُقُوث، فوقَع الإشكال وربما لطُف عُذرٌ كان عليه الاتِّكال. وإذا لم يُبَشَّر مثلي بمنيحة الله قِبَلَ تلك الذات السَّرِيَة الخليقةَ بالنعم الحَرِيَّة، فمن ذا الذي يُبَشَّر، أو على من يُعرض بزُّها ويُنْشَر، وهي التي واصلت التَّفَقُّد، وبَهْرَجَت المعاملة وأبت أن تَنْقُد وأنست الغربةَ وجُرحُها غير مُنْدَمِل، ونَفَّسَت الكُرْبَة وجُنْحُها على الجوانح مشتمل. فمتى فُرض نِسيانُ الحقوق، لم يَنَلْني فرضٌ، ولا شَهِدت به عليَّ سماءٌ ولا أرض، وإن قصَّر فيما يجب لسيدي عمل، لم يُقَصِّر رجاءٌ ولا أمل، ولي في شَرْحِ حمدهِ ناقةٌ وجَمَل، ومنه ﷻ نسأل أن يُرِيَه قُرَّة العَيْن في نفسه وبنيهِ، ويجعل أكبَرَ عطايا الهَيَالِج أصغر سِنِيه، ويُقَلّدَ عَواتِق الكواكب البَابَانية حمائل أمَانيه. وإن تَشَوَّف سيدي لِحال وَليِّه فخَلْوةٌ طيبة، ورحمةٌ من جانب الله صَيِّبَة، وبرقٌ يُشام، فيقالُ حَدِّثْ ما وراءكَ يا عِصام. ولله دَرّ شيخنا إذ يقول:
لا بارَكَ اللهُ فيَّ إنْ لَمْ ... أُصَرِّفِ النَّفْسَ في الأهَمِّ
وكَثّر اللهُ فِي هُمُومِي ... إنْ كانَ غَيْرُ الخَلاَصِ هَمِّي
وإن أنعم سيدي بالإلماع بحاله، وأحوال الولد المُبارك، فذلك من غُرَر إحسانه ومنزلتُه من لَحْظِ لَحْظي بمنزلة إنسانه؛ والسلام.
وخاطبت صاحب الأشغال العلية الشيخ أبا عبد الله بن أبي القاسم بن أبي مدين أهنيه بتقلد الخُطَّة من رسالة:
تَعُودُ الأمَانيُّ بَعْدَ انصِرافِ ... ويَعْتَدِلُ الشَّيءُ بَعْدَ انحِرافِ
فإن كانَ دَهْرُكَ يَومًا جَنَى ... فقد جاء ذا خَجَلِ واعتِرافِ
طلع البشير - أبقاك الله تعالى - بقبول الخلافة المرينية، والإمامة الحسينية، خصها الله بنيل الأمنية، على تلك الذات التي طابت أُرومتها وزكت، وتأَوَّهَت العلياء لتذكر عَهْدها وبكت، وكاد السرّو يتقطع لولا أنها تركت منك الوارث الذي تركت فلولا العذر الذي تأكدت ضرورته، والمانع الذي ربما تقررت لكم صورته، لكنت أولَ مُشَافَهٍ بالهناء، ومصارف لهذا الاعتناء، الوثيق البناء، بنفوذ الحمد لله والثناء، وهي طويلة.
1 / 33