Not provided
أعلام وأقزام في ميزان الإسلام
Publisher
دار ماجد عسيري للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٤ م
Publisher Location
جدة - السعودية
Genres
يكبروا ويشيدوا وأن يساوقوا الفطرة في مجراها فيأخذوا الشيء بأسبابه ويأتوا الأمر من بابه، يصدرون رأيهم على جهل فإذا كشف لهم معناه وبصرتهم بمصايره ووقفت بهم على حدوده وأريتهم وجوههم في مرآة النصيحة أنكروا ما جئت به وحسبوك تمتري الكذب وأصروا واستكبروا استكبارًا لأن رأس علمهم أن يظنوا لا أن يحققوا ما يظنون فالرأي هو الرأي في ذاته لا ما يتعلق به ولا ما ينادى إليه.
اللغة مظهر من مظاهر التاريخ والتاريخ صفة الأمة فكيفما قلبت أمر اللغة من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها واشتمالها جلدة أمة أخرى، فلو بقي للمصريين شيء متميز من نسب الفراعنة لبقيت لهم جملة مستعملة من اللغة الهيروغليفية وأن في العربية سرًا خالدًا هو هذا الكتاب المبين (القرآن) الذي يجب أن يؤدى على وجهه العربي الصريح ويحكم منطقًا وإعرابًا بحيث يكون الإخلال بمخرج الحرف الواحد منه كالزيغ بالكلمة عن وجهها وبالجملة عن مؤداها، ثم هذا المعنى الإسلامي (الدين) المبني على الغلبة والمعقود على أنقاض الأمم والقيم على الفطرة الإنسانية؛ والقرآن الكريم ليس كتابًا يجمع بين دفتيه ما يجمعه كتاب أو كتب فحسب، إذ لو كان هذا أكبر أمره لتحللت عقده، وإن كانت وثيقة ولأتى عليه الزمان، أو بالحري لنفس من أمره شيء كثير عن الأمم ولاستبان منه مساغ للتحريف والتبديل من غال أو مبطل ولكانت عربيته الصريحه الخالصة عذرًا للعوام والمستعجمين في إحالته إلى أوضاعهم إذا ثبت لهم قدره على ذلك.
وليس يقول بهذا إلا ظنين قد انطوى صدره على غل واجتمع قلبه على داخلة مكروهة وإلا جاهل من طراز أولئك لا يستطيل نظره بتجربة ولا ينفذ بعلم، وإنما هو آخذ بذنب الرأي لا بوجهه ولكن بتوجه معه ولا يقبل به ولكن يدبر به الرأي.
1 / 124