في دفع الملم، وإمضاء المهم، وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني، وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام، وتقريبه من الأفهام، وفي الليل تتزاور الأحباب، وتتهيأ بالشراب، وتكمل الأظراب وتغيب الرقاب، وتغلق في أوجه الأضداد الأبواب، ولا يمكن فعل شيء من ذلك كله في النهار، لاستجلاب الظنة بالأستتار، وكان ابن المعتز لا يشرب إلا ليلا ويقول: الليل أمتع لا يطرقك فيه خبر قاطع، ولا شغل مانع، والنهار أبرص لا يتم فيه سرور ونظم ذلك كشاجم فقال:
اتخذ الليل حمل ... ما حمل الليل حمل
آمن فيه طارقا ... يشغلني عن الشعل
كان يحيى بن خالد ولي أبنه الفضل خراسان فبلغه عنه إقبال على القصف وإهمال الرعية وتفقد أعماله فوجدها مختلفة فكتب إليه: بلغني إقبال على القصف وإهمال لأمورك وقد يهفو ذو الفطنة ويزل الحليم ثم يرجع إلى ما هو أولى به حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلا بذلك وقد كتبت إليك بأبيات إن أنت أخلفتها ولم تمتثلها هجرتك حولا وعزلتك على سخط وكتب إليه:
انصب نهارا في طلاب العلا ... وأصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل دنا مقبلا ... وانحسرت فيه عيون الرقب
فأخل مع الليل بما تشتهي ... فإنما الليل نهارا الأريب
كم فاتك تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أثوابه ... فبات في امن وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو رقيب
قال فآلى أن لا يشرب نهارا.
1 / 33