: حدثني أبو الحسين بن عياش ، قال : حدثني أبو إسحق إبراهيم بن السري الزجاج ، قال : كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله ، وأقول له : إن بلغك الله مبلغ أبيك ، ووليت الوزارة ، ماذا تصنع بي ؟ فيقول : ما أحببت . فأقول له : تعطيني عشرين ألف دينار ، وكانت غاية أمنيتي ، فيقول : نعم . فما مضت إلا سنون ، حتى ولي القاسم الوزارة ، وأنا على ملازمتي له ، وقد صرت نديمه ، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ، ثم هبته . فلما كان في اليوم الثالث من وزارته ، قال لي : يا أبا إسحق ، لم أرك أذكرتني بالنذر ؟ . فقلت : عولت على رعاية الوزير أيده الله ، وأنه لا يحتاج إلى إذكار لنذر عليه ، في أمر خادم واجب الحق . فقال لي : إنه المعتضد ، ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد ، ولكن أخاف أن يصير لي معه حديث ، فاسمح لي بأخذه متفرقا . فقلت : يا سيدي ، أفعل . فقال : اجلس للناس ، وخذ رقاعهم ، للحوائج الكبار ، واستجعل عليها ، ولا تمتنع عن مسألتي شيئا تخاطب فيه ، صحيحا كان أو محالا ، إلى أن يحصل لك مال النذر . قال : ففعلت ذلك ، وكنت أعرض عليه ، كل يوم ، رقاعا ، فيوقع فيها لي ، وربما قال : كم ضمن لك على هذا ؟ فأقول : كذا وكذا ، فيقول : غبنت ، هذا يساوي كذا وكذا ، ارجع فاستزد ، فأرجع القوم ، ولا أزال أماكنهم ، ويزيدوني حتى أبلغ الحد الذي رسمه لي . قال : وعرضت عليه شيئا عظيما ، فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها ، في مديدة . فقال لي بعد شهور : يا أبا إسحق ، حصل مال النذر ؟ . فقلت : لا ، فسكت . وظللت أعرض ، فيسألني في كل شهر أو نحوه ، هل حصل المال ؟ فأقول : لا ، خوفا من انقطاع الكسب ، إلى أن حصل عندي ضعف ذلك المال . وسألني يوما ، فاستحييت من الكذب المتصل ، فقلت : قد حصل ذلك ببركة الوزير . فقال : فرجت والله عني ، فقد كنت مشغول القلب ، إلى أن يحصل لك . قال : ثم أخذ الدواة ، فوقع لي إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئا ، ولم أدر كيف يقع منه . فلما كان من غد جئته ، وجلست على رسمي ، فأومأ إلي ، أن هات ما معك ، يستدعي مني الرقاع على الرسم . فقلت : ما أخذت رقعة من أحد ، لأن النذر قد وقع الوفاء به ، ولم أدر كيف أقع من الوزير . فقال : سبحان الله ، أتراني كنت أقطع شيئا قد صار لك عادة ، وعلم به الناس ، وصارت لك بمنزلة عندهم وجاه ، وغدو ورواح إلى بابك ، ولا يعلم سبب إنقطاعه ، فيظن ذلك لضعف جاهك عندي ، أو تغير رتبتك ؟ أعرض علي على رسمك ، وخذ بلا حساب . فقبلت يده ، وباكرته من غد بالرقاع ، وكنت أعرض عليه كل يوم شيئا إلى أن مات ، وقد تأثلت حالي وكبرت .
Page 49