: ويشبه فعل أبي الحسين علي بن عيسى بأبي عيسى أخي صخرة ، ما أخبرني به الثقة ، قال : أخبرني جماعة من الكتاب ، أنه بلغه أن المقتدر قد عمد على صرفه بأبي علي بن مقلة ، وكان يخلفه إذ ذاك على عدة دواوين ، فاستدعاه ، وطالبه بأعمال يعملها له من الدواوين ، فوعده بإحضارها . فلما كان بعد أيام ، خاطبه بحضرة الناس يريد الغض منه ، فقال له : طلبت منك أعمالا فما أحضرتها ، وأنا أعلم تعذرها عليك ، فإن كان الأمر كذلك ، فأفصح عن نفسك . فقال ابن مقلة : قد أحضرتها ، ووضعها بين يديه . فأخذ يقرؤه ، ويعجب مشايخ الكتاب الحضور من خطائه فيها ، ويوافقه على ضعف صناعته ، ويفضحه في موضع يخرجه ، ويقول له في عرض الخطاب ؛ هذه حياكة : ليست كتابة ، ويضرب على عمل عمل ، وبرسم في أضعافه ، كيف يجب أن يعمل ، والكتاب الحاضرون يعجبون من حسن ما يورده أبو الحسن ، وضعف ما أورده أبو علي ، إلى أن ضرب على جميع أعمال ، ثم قال له : قم فاعملها على هذا ، وحررها ، وجئني بها ، فقام أبو علي يجر رجله . فلما ولي عن حضرة أبي الحسن ، قال : إن أمرا عجز عنه علي بن محمد بن الفرات ، ونحن فيه مرتكبون ، تقوم به أنت ؟ لشيء عجيب . قال : فلما كان في اليوم الرابع أو الخامس من هذا الحديث ، قبض على علي بن عيسى ، وسلم إلى أبي علي ، وقلد الوزارة ، فاعتمد الغض من أبي الحسن ، فما قدر على ذلك بأكثر من المكاره ، والمخاطبة له في وجهه بما يرتفع عنه أرباب المروءات . فمن ذلك ، إن هذا المخبر أخبرني ، قال : حدثني أبو أحمد الشيرازي الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر قال : كنت بحضرة أبي علي بن مقلة يوما في وزارته وقد دخل عليه علي بن عيسى فجلس بين يديه ، وكان أبو عبد الله العلوي الموسوي حاضرا ، وأبو علي الحسن بن هارون . فقال أبو علي بن مقلة للحسن بن هارون : اكتب رقعة عن أبي عبد الله يصف فيها اختلال ضيعته ، ويسأل فيها الاحتساب له بمظلمة ، وإطلاق معونة له . ففعل الحسن بن هارون ذلك في الحال ، وعرض الرقعة ، فوقع بإخراج الحال ، وأنفذ إلى الكاتب بأن أخرج الحال مصدقا لما في الرقعة . ففعل ذلك . فوقع تحت إخراج الحال بإطلاق عشرين كرا حنطة وعشرين كرا شعيرا معونة له ، والاحتساب بما ذكر مبلغه في المظلمة ، وقال لأبي علي الحسن ابن هارون : سلمه إلى أبي عبد الله . قال ، فاستحسن الحاضرون كرمه في ذلك على رجل علوي ، وأخذ أبو الحسن علي بن عيسى يشكر له ذلك ويصوبه له . فقال له مجيبا : فلم تفعل مثل هذا يا أبا الحسن في وزارتك ؟ . قال ، فنهض أبو الحسن ، وقال : ستودع الله الوزير ، ولم يجب بحرف واحد .
Page 29