240

Nil Hayat Nahr

النيل: حياة نهر

Genres

5

على مرشان المحارب، ومع ذلك يتقدم مرشان غير قانط، ومع ذلك يمشي مرشان وكتيبته التي تنقص مقدارا فمقدارا. وفي نهاية الأمر، وفي يوليو سنة 1898 يبلغ مرشان غاية أحلامه، يبلغ النهر، ويرفع باحتفال العلم المثلث الألوان فوق فاشودة التي هي ملتقى الطرق، وسار مرشان ثلاث سنين، فأين المنافس الذي يخفق علمه فوق علمه؟ لا شيء غير شائعات تجسم في أفريقية كل شيء وتغم

6

عند كل شيء كالسراب.

وكان الفرنسيون - الذين أضحوا في الدرجة العاشرة من العرض الشمالي - يجهلون نيل الإنكليز أول نصر على الدراويش ببربر في الدرجة الثامنة عشرة من العرض الشمالي، وما كان الإنكليز يعلمون وجود أبيض خصم لهم وللسود على شاطئ النهر نفسه وعلى بعد ألف كيلومتر من الجنوب.

وكان الدراويش من الضعف في تلك البقعة ما فروا معه أمام مرشان الذي كان بلا عتاد تقريبا، وينشئ مرشان حصنا صغيرا على ضفة النهر، ويعقد معاهدة حماية مع رئيس الشلك ويزرع بعض الخضر، غير أنه كان يعوزه ما يتوقف عليه كل أمر من مدد وعدد واتصال بوطنه؛ فيحاول أن يكون ذا علاقة بالكونغو والحبشة فلا يوفق، ويظل وحيدا، هو هنالك، هو على النيل مع أواخر ضباطه البيض ومع بعض بنادق، وتقف الريح في أشهر الصيف فيبدو العلم معلقا بعموده في حال يرثى لها.

ويدوم مد الخط الحديدي الإنكليزي في تلك الأثناء بلا هوادة، ويدحر العدو أمامه حتى فاشودة على ما يحتمل، ولم يعرف أحد ماذا كان يقع في ذلك البلد الذي هو طعمة الفوضى، والنيل وحده هو القادر على وصل مرشان بكتشنر. وما زال المسلمون يفصلون بين المتنافسين، وما كان الإنكليزي يخشى شيئا، وما كان الإنكليزي يخشى سير 23 فرنسيا و500 سنغالي، منذ ثلاث سنين، ولو ظلوا كلهم أحياء، ولو حلوا بضفة النيل، فهؤلاء ليسوا مرهوبين.

وتمر خمسة أيام على ما تم في أم درمان من نصر حاسم، وتمر أربعة أيام على احتلال الخرطوم فتأتي باخرة بأول نبأ من الجنوب، تأتي بنبأ وجود أبيض في فاشودة عقد معاهدة مع الشلك، وكان يمكن كتشنر أن يستريح بضعة أيام بعد عناء عامين، ولكنه لم يتمالك أن أدرك ما هنالك، فقام بنصف جولة في الباخرة، فلما انقضت ثلاثة أيام توجه نحو منبع النيل ليزور ذلك الفرنسي التعس، ويجلب معه كتائب سودانية ومائة اسكتلندي وبضع سفن ذات مدافع حتى يدرك مضيفه مغزى زيارته.

وبعد تسعة أيام ترسو السفن الإنكليزية في فاشودة حيث يتموج علم كبير مثلث الألوان، ومن الفصول الروائية، حقا، أن يلتقي ضابطان من البيض متماثلان هيئة مع اختلافهما شعارا، منتسبان إلى أمتين جارتين مع تسالمهما على بعد ألوف الأميال من هنالك، مفوض إلى كل منهما خلع الآخر، ويستحق إقدام كتشنر كل إعجاب، ويتجه العطف العام في ذلك الحين إلى مرشان العاطل من الرجال ومن السند ومن توجيه باريس له (على خلاف كتشنر الذي يوجه برقيا في الخرطوم)، والذي يقدم إلى الغالب بالأمس غير مجهز بسوى مسدس لا ينبغي له أن يستعمله وبسوى علم لا تخفق الريح فيه.

ويتحادث الفاتحان في كوخ مرشان، وذلك بأن هنأ الإنكليزي الفرنسي بإيصاله مغامرته إلى هدف حسن، وذلك بأن هنأ الفرنسي الإنكليزي بالنصر الكبير الذي علم خبره من الزنوج، ولا أحد يعرف مقدار الصمت الذي عقب تينك التهنئتين، وإنما علم فقط أن مرشان صرح قائلا: «أقامتني حكومتي وكيلا عنها في احتلال بحر الغزال حتى ملتقاه ببحر الجبل؛ أي باحتلال أراضي الشلك الواقعة على شمال النيل.»

Unknown page