126
الشَّافِعِيِّ ﵁[الْحِسْبَةَ بِبَغْدَادَ] (^١)، فَنَزَلَ [الرَّجُلُ] إلَى جَامِعِ الْمَنْصُورِ، فَوَجَدَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ، فَقَالَ [لَهُ]: " سَلَامٌ عَلَيْك، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾.
وَقَدْ مَكَّنَ اللَّهُ ﷿ خَلِيفَتَهُ (^٢) الْمُسْتَظْهِرَ بِاَللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَرْضِهِ، وَبَسَطَ يَدَهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (^٣) وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ جَعَلَنِي وَإِيَّاكَ نَائِبَيْنِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، قَائِمَيْنِ فِي رَعِيَّتِهِ بِحُدُودِ (^٤) اللَّهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؛ وَنَحْنُ أَوْلَى مَنْ يَعْمَلُ بِحُدُودِهِ، وَلُزُومِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، لِيَقْتَدِيَ بِنَا الْعَامَّةُ. فَنَحْنُ مِلْحُ الْبَلَدِ، نُصْلِحُ مَا فَسَدَ مِنْ أَحْوَالِ الْعَامَّةِ، فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ مَنْ يُصْلِحُهُ؟ وَمَجْلِسُك هَذَا لَا يَصْلُحُ فِي الْجَامِعِ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ ﷿: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ وَإِنَّهُ لَتَدْخُلُ (^٥) إلَيْك الْمَرْأَةُ لِتَحْكُمَ مَعَ بَعْلِهَا، وَمَعَهَا الطِّفْلُ فَيَبُولُ عَلَى الْحُصُرِ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَمْشِي عَلَى النَّجَاسَةِ وَالْقَذَرِ، وَيَدُوسُ الْحُصُرَ بِنَعْلِهِ؛ وَإِنَّ الْأَصْوَاتَ لَتَرْتَفِعُ بِاللَّغَطِ خَارِجَ حَلْقَتِك (^٦)؛ وَرُبَّمَا دَخَلَ إلَيْك الرَّجُلُ الْجُنُبُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ؛ وَجَمِيعُ ذَلِكَ أَمَرَ نَبِيُّنَا ﷺ بِاجْتِنَابِهِ. فَاجْلِسْ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَى أَحَدٍ الْقَصْدُ إلَيْك، وَالسَّلَامُ ".
قَالَ [الصَّيْمَرِيُّ]: (^٧) فَنَهَضَ الْقَاضِي مِنْ وَقْتِهِ، وَلَمْ يَعُدْ يَجْلِسُ فِي الْجَامِعِ لِلْقَضَاءِ. وَمَتَى رَأَى الْمُحْتَسِبُ رَجُلًا يَسْفَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، أَوْ يَطْعَنُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ، أَوْ لَا يَنْقَادُ إلَى حُكْمِهِ، عَزَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا رَأَى الْقَاضِيَ قَدْ اسْتَشَاطَ عَلَى رَجُلٍ غَيْظًا، أَوْ شَتَمَهُ (^٨) أَوْ احْتَدَّ (^٩) عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ، رَدَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ بِاَللَّهِ ﷿؛

(^١) الإضافة من ل.
(^٢) في س "خليفه"، والتصويب من ص، م.
(^٣) في س "والمعروف" وما هنا من ص، م، ل، هـ.
(^٤) في س "حدود"، وما هنا من ل، هـ.
(^٥) في س "ليدخل"، والتصويب من ل، هـ.
(^٦) في س "خلفك"، والتصويب من ل.
(^٧) انظر الصفحة السابقة، سطر ١٤.
(^٨) في س "يشتمه"، والتصويب من ل، م.
(^٩) في س "يحتد"، وما هنا من هـ.

1 / 114