الْبَابُ الْأَرْبَعُونَ
يَشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ وَتَفَاصِيلَ فِي أُمُورِ الْحِسْبَةِ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْحِسْبَةِ عَلَى أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ الْمَشْهُورَةِ، وَمِنْ كَشْفِ غُشُوشِهِمْ وَتَدْلِيسِهِمْ، مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلْمُحْتَسِبِ، وَأَصْلٌ يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا عَدَاهُ، مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ.
وَسَأَذْكُرُ فِي هَذَا الْبَابِ تَفَاصِيلَ جُمَلٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَذْكُرُ مَا يَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ فِعْلُهُ مِنْ أُمُورِ الْحِسْبَةِ فِي صَالِحِ الرَّعِيَّةِ، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ. فَمِنْ ذَلِكَ السَّوْطُ وَالدِّرَّةُ (^١) وَالطُّرْطُورُ (^٢): أَمَّا السَّوْطُ فَيَتَّخِذُهُ وَسَطًا، لَا بِالْغَلِيظِ الشَّدِيدِ وَلَا بِالرَّقِيقِ اللَّيِّنِ، بَلْ يَكُونُ بَيْنَ سَوْطَيْنِ، حَتَّى لَا يُؤْلِمَ الْجِسْمَ، وَلَا يُخْشَى مِنْهُ غَائِلَةٌ؛ وَأَمَّا الدِّرَّةُ فَتَكُونُ مِنْ جِلْدِ الْبَقَرِ أَوْ الْجَمَلِ مَحْشُوَّةً بِنَوَى التَّمْرِ؛ وَأَمَّا الطُّرْطُورُ فَيَكُونُ مِنْ اللِّبْدِ، مَنْقُوشًا بِالْخِرَقِ الْمُلَوَّنَةِ، مُكَلَّلًا بِالْجَزْعِ (^٣) وَالْوَدَعِ وَالْأَجْرَاسِ، وَأَذْنَابِ الثَّعَالِبِ وَالسَّنَانِيرِ. وَتَكُونُ هَذِهِ الْآلَةُ جَمِيعُهَا مُعَلَّقَةً عَلَى دِكَّةِ [الْمُحْتَسِبِ] (^٤) يُشَاهِدُهَا النَّاسُ، فَتَرْعَدُ مِنْهَا قُلُوبُ الْمُفْسِدِينَ، وَيَنْزَجِرُ بِهَا أَهْلُ التَّدْلِيسِ. فَإِذَا عَثَرَ [الْمُحْتَسِبُ] بِشَارِبِ خَمْرٍ جَلَدَهُ بِالسَّوْطِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي جَلْدِ الثَّمَانِينَ جَلَدَهُ، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ جَلَدَ (^٥) شَارِبَ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، بِفَتْوَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁. فَيُجَرِّدُهُ [الْمُحْتَسِبُ] عَنْ ثِيَابِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَهُ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَبِينَ بَيَاضُ إبْطِهِ، وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ وَفَخْذَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ زَانِيًا - وَهُوَ بِكْرٌ - جَلَدَهُ فِي مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً جَلَدَهَا وَهِيَ فِي إزَارِهَا وَثِيَابِهَا.
وَأَمَّا الزَّانِي الْمُحْصَنُ، فَيَجْمَعُ [الْمُحْتَسِبُ] النَّاسَ حَوْلَهُ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِرَجْمِهِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
(^١) انظر ما سبق، ص حاشية ١.
(^٢) انظر ما سبق، ص حاشية ٢.
(^٣) في س "الجوع"، وما هنا من ص، م. والجزع (Onyx) الخرز المتعدد الألوان. (الدمشقي: الإشارة إلى محاسن التجارة، ص ١٨).
(^٤) الإضافة من هـ.
(^٥) في س "جالد"، والتصويب من ص، م، ل، هـ.