لتقديم صياغة شعرية للفكرة التى قدمها في السرد (٨٠)، وإذا كانت الفكرة- بهذه الطريقة- تصاغ سردا وشعرا فإن النماذج الشعرية تنتمى إلى دائرة الشعر التعليمى الذى يقدم نظما لأفكار أو وقائع ليسهل حفظها وتردادها.
ويبدو الشعر، فى مواضع أخرى، وسيلة لنظم الوقائع التى قدمها الطهطاوى سردا؛ فبعد أن سرد وقائع حياة النبى منذ مولده إلى كفالة عبد المطلب له، ثم وفاة عبد المطلب، قدم خمسة عشر بيتا للحافظ العراقى نظم فيها هذه الوقائع ذاتها (٨١) .
وقد يجعل من الشعر وسيلة لتحقيق الاستطراد؛ فحين يشير إلى قصيدة أبى طالب في مدح النبى (ص) يذكر أنها تزيد على ثمانين بيتا، ويشير إلى أن ابن إسحاق ذكرها، ثم ينقل منها بيتا واحدا فقط، هو:
وشق له اسمه ليجلهفذو العرش محمود وهذا محمد ثم يقول (وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا البيت) ويأتى بمقطوعة له من ستة أبيات فيها البيت المضمن (٨٢) .
واللافت أن الشعر، لدى الطهطاوى، قد يكون وسيلة لتحقيق استطراد داخل الاستطراد؛ ففى بعض أنماط الاستطراد التعليمى المباشر يستطرد الطهطاوى من السرد أو الوصف إلى الشعر، ففى نهاية استطراده إلى مسألة المولد النبوى والاحتفال به يستطرد مرة أخرى إلى ذكر همزية عبد العزيز الزمزى، ومطلعها:
أثغور منها الصباح أضاء أم بروق على النقا تتراءى ويستغرق هذا الاستطراد الشعرى سبع صفحات إلا قليلا (٨٣) . كما يتكرر الاستطراد الشعرى داخل الاستطراد النثرى في مسألة المفاضلة بين الليل والنهار (٨٤) .
إن توظيف الشعر داخل متن سيرة الطهطاوى سواء لاستكمال بعض الوقائع، أو لإعادة صياغتها، أو لتحقيق صورة من صور الاستطراد يقرب كتابته من تقاليد استخدام الشعر لدى كتاب الرواية التاريخية والتعليمية (١٨٧٠- ١٩١٤) الذين أكثروا من استخدام الشعر لتحقيق وظائف تتلاقى مع وظائفه في متن سيرة الطهطاوى (٨٥) .
المقدمة / 47