ولعل هذا ما يشير إلى قوة تأثير التراث السردى العربى في تقنيات كتابة الطهطاوى السيرة النبوية.
وتمثل تقنية الاستطراد التعليمى المباشر تقنية متواترة بكثرة وفي مواضع مختلفة من نص الطهطاوى (٦٤)، وبقدر ما يمثل بروزها لديه تجديدا في نمط كتابة السيرة الموجزة أو المختصرة؛ إذ لم يلجأ إليه ابن عبد البر أو ابن حزم، فإن استخدامها يشير إلى متابعة الطهطاوى ما استقر في متون شرح السيرة النبوية من العروج إلى قضايا ومسائل دينية وأخلاقية وكلامية وتاريخية ولغوية وأدبية مختلفة يرى الشارح أنها ذات صلة بوقائع السيرة النبوية.
ويختلف نمط هذه التقنية عن نمط تقنية الاستطراد السردى في كون الاستطراد السردى غالبا ما كان يقوم على صياغة الطهطاوى الوقائع بلغته هو (وإن استعان أيضا بالايات القرانية والأحاديث النبوية)، بينما غلب على الاستطراد التعليمى المباشر أن يكون نقلا أو تلخيصا لمرويات وكتابات من مصادر سابقة على الطهطاوى، كان الطهطاوى يتصور أن ما قدمته مفيد للمتلقى الذى يتوجه إليه.
وتتسم بعض نماذج هذه الاستطرادات بالطول حتّى أن الواحد منها قد يستغرق فصلا كاملا أو ما يقل عنه بقليل، على نحو ما يبدو في الاستطراد الخاص بمسألة الاحتفال بالمولد النبوى الذى يتمثل في مجموعة من النصوص المنقولة عن مصادر فقهية وتشريعية وغيرها (٦٥) . ومن اللافت أن ذلك النموذج يمثل قطعا ممتدا ومطولا في مسار الوقائع التى يقدمها الراوى، كما يغيب فترة من حياة النبى (ص)؛ إذ انتهى الطهطاوى في
الفقرة السابقة عليه إلى قص وقائع حياة النبى حتّى بلوغه السادسة، بينما استأنف السرد- فى نهاية هذا الاستطراد- وقد صار عمر النبى (ص) ثلاثة عشرة عاما. وبذلك أدى الاستطراد إلى قطع يتمثل في إسقاط أخبار ووقائع عدة سنوات من طفولة النبى (ص) .
وقد تكررت الظاهرة نفسها في سرد الطهطاوى لوقائع الهجرة إلى الحبشة (٦٦) .
وتشكل الاستطرادات المختلفة الناتجة عن حادثة الإسراء والمعراج نموذجا اخر دالا
المقدمة / 43