الملائكة، فمزلزل بهم الحصون، فقال ﷺ: إن في أصحابى جهدا فلو أنظرتهم أياما. فقال جبريل ﵇: انهض إليهم، فو الله لأدقّنهم كدقّ البيض على الصفا، (وكان جبريل على فرس أبلق)، فقال: ولأدخلنّ فرسى هذا عليهم في حصونهم، ثم لأضعضعنّها. فأدبر جبريل ﵇ ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم وهم طائفة من الأنصار، فأبرز «١» رسول الله ﷺ بلالا فأذّن في الناس: «من كان سميعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بنى قريظة»، وأعطى ﷺ الراية عليّ بن أبى طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ونادى مناد بأمره ﷺ: «يا خيل الله اركبي» «٢» .
ثم سار إليهم ﷺ وقد لبس سلاحه وركب فرسه، والناس حوله قد لبسوا السلاح، وركبوا الخيل، وهم ثلاثة الاف، والخيل ستة وثلاثون فرسا، له ﷺ منها ثلاثة، وقدّم ﷺ عليّ بن أبى طالب كرم الله وجهه برايته إلى بنى قريظة، ومر ﷺ بنفر من بنى النجار قد لبسوا السلاح، فقال: هل مرّ بكم أحد؟ قالوا: نعم دحية الكلبى مر على فرس أبيض عليه اللأمة، وأمرنا بحمل السلاح، وقال لنا:
رسول الله ﷺ يطلع عليكم الان، فلبسنا سلاحنا وصففنا. فقال ﷺ: ذلك جبريل ﵇ بعث إلى بنى قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم، فلما دنا عليّ بن أبى طالب- رضى الله عنه- من الحصن ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، وغرز اللواء عند أصل الحصن، سمع من بنى قريظة مقالة قبيحة في حق النبى ﷺ، فسكت المسلمون، وقالوا: السيف بيننا وبينكم، فلمّا رأى عليّ- رضى الله عنه- رسول الله ﷺ مقبلا، أسلم اللواء لأبى قتادة الأنصاري، ورجع إليه ﷺ فقال: يا رسول الله، لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأجانب، قال: لعلك سمعت منهم أذي؟ فقال: نعم يا رسول الله، قال: لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا. فكان كما قال ﷺ، وحاصر رسول الله ﷺ بنى قريظة خمسا وعشرين ليلة، وقيل دون ذلك، وكان طعام الصحابة- رضى الله عنهم التمر، يرسل به إليهم سعد بن عبادة- رضى الله عنه- فلا زال يحاصرهم
(١) كذا بلفظ «أبرز» فى السيرة الحلبية وقال: إنها كذلك في سيرة الحافظ الدمياطى: بالأذان في البراز، ومعناه: أمره.
(٢) وهو من أحسن الكنايات، ومعناه: «يا فرسان الله» .