دافع المتكلم إلى الاستطراد. ولعل أهمية المعنى الأوّل الذى يحدث عنده أو منه الاستطراد هى التى دفعت بعض البلاغيين العرب القدامى إلى اشتراط أن يعود إليه المتكلم مرة أخرى بعد انتهاء استطراده (٥٩) .
وبقدر ما يمثل الاستطراد في متن الطهطاوى صورة من صور إيقاف السرد مما ينتج وقفات سردية كثيرة، فإنه دال يشير إلى الغايات الدفاعية والتعليمية التى أراد الطهطاوى تحقيقها لدى من توجه إليهم بمتن سيرته.
وهناك نمطان من تقنية الاستطراد بارزان في سيرة الطهطاوى، ورغم أن ما يجمعهما هو الهدف التعليمى" العام" فإن ثانيهما يبدو فيه ذلك الهدف أكثر مباشرة، ولهذا يمكن وصفه بأنه استطراد تعليمى مباشر، بينما يمكن وصف أولهما بأنه استطراد سردى.
ويتمثل نمط الاستطراد السردى في جنوح الطهطاوى الراوى إلى تقديم عدة أخبار أو وقائع تصور بعض سمات الشخصية التى يدور حولها السرد أو تقديم جزء من" تاريخ" الشخصية التى تسهم في الحدث. وتكشف معاينة السياقات التى برز فيها هذا النمط أن المنطق الكامن وراءه يتمثل- دائما- فى علاقات النسب أو الاتصال التى تربط بين الشخصيات التى يسرد الراوى عنها. وثمة نموذج دال على بروز هذه التقنية يتمثل في سرد الطهطاوى لواقعة زواج النبى (ص) من السيدة خديجة (٦٠) حيث يقوم نمط هذه التقنية على قطع الخيط الأساسى لزمن الوقائع، والانتقال منه إلى زمن اخر أسبق تاريخيا، يضم وقائع أخرى ترتبط بالشخصية التى يدور حولها السرد؛ فإذا كان زمن واقعة الزواج ينتمى إلى ما قبل المبعث فإن بعض الوقائع التى يقدمها الطهطاوى تنتمى إلى الزمن نفسه، وبذلك يتحقق قدر من الاتساق في المسار الزمنى للوقائع المقدمة، بينما تنتمى وقائع أخرى إلى مرحلة ما بعد المبعث وبذلك تمثل- بمعنى أو باخر- استكمالا لبعض الجوانب التى تكمل صورة الشخصية التى يدور حولها السرد (أى شخصية السيدة خديجة)، بينما يقوم السرد على نوع من الانتقال" الحر" بين المراحل الزمنية للوقائع المقدمة....
وتبرز فاعلية هذا النمط الاستطرادى في سرد تلك الواقعة على النحو التالى:
يأخذ الطهطاوى في سرد حادثة زواج النبى (ص) بالسيدة خديجة (٦٥- ٦٦)،
المقدمة / 41