مع كتب المختصرات في التراث السردى العربى الوسيط (٥٦) . وتبرز تقنية الحذف فى استبعاد الطهطاوى لكثير من الأشعار- مقطوعات كانت أم قصائد- التى قدمها ابن هشام وغيره من كتاب النمط المطول من السيرة كابن سيد الناس، دون أن يمنعه هذا من توظيف الشعر وظائف مختلفة في سيرته.
ويبدو أن تلك التقنية كانت تمارس فاعليتها في كتابة الطهطاوى اعتمادا على عنصر الحذف في عدد من المواضع التى كانت كتابات السيرة السابقة تستخدم فيها عناصر تشويق تدفع المتلقى إلى متابعة السرد؛ ففى سرده أخبار حفر عبد المطلب بئر زمزم حذف كل المرويات التى قدمتها السير السابقة، والتى جعلت من ذلك الفعل استجابة لرؤيا راها عبد المطلب (٥٧) . كما تجلى النمط نفسه في حذفه لعدد من النبوات المرتبطة بوقائع غزوة بدر (وهذا ما سيتضح تفصيلا في فقرة تالية) .
وإذا كان ارتكان الطهطاوى إلى تقنية الحذف والإيجاز يقرنه بطرائق كتابة الرواية التاريخية في مرحلته التاريخية- الأدبية فإن حضور تلك التقنية في كتابة الطهطاوى إنما كان يقترن بتغييبه تقنية الاستطراد، بينما يمثل حضور تقنية الاستطراد دالا على فعالياتها المختلفة عن فاعلية تقنية الحذف والإيجاز.
(٣/ ٥) الاستطراد تقنية سردية محورية اعتمد عليها الطهطاوى في تشكيله لمتن السيرة النبوية، وتقوم تلك التقنية على تطرق الطهطاوى- والذى يمثل نمط الراوى المفارق لمرويه- إلى بعض الجوانب الفرعية التى تتصل بالوقائع أو الشخصيات أو المواقف التى يدور حولها السرد. ويقوم الاستطراد على تصور الراوى وجود صلة بين ما يحكيه وما يستطرد إليه، دون أن يتطلب السياق السردى الاتكاء على هذه الصلة فى الموضع الذى يبرز فيه الاستطراد. وتبدو الصلة واضحة بين هذه التقنية لدى الطهطاوى ومفهومها الذى استقر لدى كثير من النقاد والبلاغيين العرب؛ إذ تحدد الاستطراد لديهم بأنه (أن يأخذ المتكلم في معنى فبينا يمر فيه يأخذ في معنى اخر وقد جعل الأوّل سببا فيه) (٥٨) مما يشير إلى أن الصلة الفكرية أو الشعورية بين المعنيين- والتى قد ترتد إلى التقاليد الجمالية والثقافية أو إلى إرادة المتكلم- هى
المقدمة / 40