(٢/ ٥)
مارست تقنية الحذف والإيجاز تأثيرات متعددة في تشكيل الطهطاوى لمادة سيرته، ويعد إدخال كلمة الإيجاز في العنوان" نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز" دالا أوليا على تلك التأثيرات. وتبدو فاعلية هذه التقنية بعنصريها- الحذف والإيجاز- جلية في حذف الطهطاوى للواحدة السردية الكبرى الأولى في سيرة ابن هشام وهى واحدة المبتدأ، واستعاضته عنها بتقديم بعض الجوانب الأساسية في حياة العرب في الجاهلية وانتهائه إلى الحديث عن الإرهاصات الداخلية والخارجية بمولد النبى (ص)، وذلك في الجزء الأوّل من" أنوار توفيق الجليل" (٥٣)، واللافت هنا أن الطهطاوى قد قدم نبوءة سيف بن ذى يزن بمولد النبى (ص)، وذلك في لقائه بعبد المطلب، وهذا ما يتناقص مع ما يبدو من ميل الطهطاوى إلى تجاهل كثير من الرؤى والنبوات التى اعتمدت عليها كثير من نصوص السير السابقة، على نحو ما يظهر، على سبيل المثال، فى سرده وقائع غزوة بدر.
وبقدر ما كان الحذف دالا على مسعى الطهطاوى إلى استبعاد عناصر متعددة من متن السيرة السابقة عليه فإن الطهطاوى كان يعمد إلى الاتكاء على عنصر الإيجاز حيث كان يقدم بإيجاز شديد الدلالة الأساسية التى تشير إليها تلك الواحدة المحذوفة؛ فإذا كانت سيرة ابن هشام قد أفاضت في تقديم أخبار العرب قبل ميلاد الرسول ولذلك لتمجد شخصية الرسول (ص) بوصفه المثل الأعلى للبطولة العربية (٥٤) فإن الطهطاوى قد
حذف تلك الواحدة، وقدم في، إطار تناوله للإرهاصات بمولد النبى" ص"، تفسيرا سياسيا يثبت حاجة الجماعة العربية إلى رسالته.
وإذا كان الطهطاوى قد بدأ سيرته بمولد النبى" ص" فإنه قدم نسبه بإيجاز مقارنة بسيرة ابن هشام (٥٥)، ومتفقا في هذا مع كتّاب النمط المختصر للسيرة كابن عبد البر وابن حزم.
وتبدو تقنية الحذف والإيجاز بارزة في حذف الطهطاوى لمعظم أسانيد المرويات المختلفة من أخبار وأحاديث وحكايات واكتفائه دائما بالراوى الأوّل أو الأصلى لكل منها. ويلتقى الطهطاوى في ذلك مع كتّاب النمط المختصر من السيرة، كما يلتقى
المقدمة / 39