112

Nihayat Ijaz

نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز

Publisher

دار الذخائر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٩ هـ

Publisher Location

القاهرة

المذكورات ومراتبهن، كرجل يقول: كان أبى فقيها، ولا يريد الفخر، وإنما يريد به تعريف حاله دون ما عداه، وقد يكون أراد به التحدث بنعمة الله تعالى في نفسه وابائه وأمهاته على وجه الشكر، وليس ذلك من الاستطالة والفخر في شيء. ولبنى سليم مفاخر أخرى منها: أنها ألّفت معه يوم فتح مكة، أى شهده منهم ألف، وأن رسول الله ﷺ قدّم لواءهم يومئذ على الألوية، وكان أحمر، ومنها أن عمر كتب إلى أهل الكوفة والبصرة ومصر والشام أن ابعثوا إليّ من كل بلد أفضله رجلا. فبعث أهل الكوفة عتبة بن فرقد السلمي، وبعث أهل البصرة مجاشع بن مسعود السلّمي، وبعث أهل مصر معن بن يزيد السلمي، وبعث أهل الشام الأعور السلمى. وسبب دفع أمه إياه لمن ترضعه أن هذا كان عادة قريش وأشراف العرب في أولادهم، ولو كانت الأم حيّة ولها لبن؛ لأن نساءهم كنّ يرين إرضاع أولادهن عارا «١» عليهن، وأيضا إذا نشأ الرضيع غريبا كان أنجب له، مع ما يضاف إلى ذلك من تفرّغ النساء للأزواج، وإن كان هذا منتفيا هنا؛ لأن أباه ﷺ توفى وهو حمل على الصحيح. والأولى في التعليل أن ينشأ غريبا، على أن هذه العادة عادة أشراف الدنيا قديما وحديثا، لا سيما بالأقطار الحجازية بالنسبة للحواضر؛ فإنهم يبعثون بأبنائهم إلى البوادى للتربية بها مع ما ينضم إلى ذلك من خاصية فصاحة العربية العريقة بالبادية القليلة المخالطة بما يفسد اللغات، فهذه هى حالته ﷺ حيث منّ الله على حليمة السعدية فأرضعته مع ابنها الذى شرب النبى ﷺ من لبنه، وهو عبد الله بن الحرث. وكان له ﷺ أختان: أنيسة والشيماء بنتا الحرث، الشيماء واسمها حذاقة، وإنما غلب لقبها فلا تعرف في قومها إلا به، وسبيت يوم حنين، فقالت «يا قوم اعلموا أنى أخت نبيكم» فلما أتوا بها النبى ﷺ قالت له: «إنى أختك، وكنت عضضتنى وأنا أحضنك مع أمي» . فعرف ذلك وبسط لها رداءه وأجلسها عليه، ودمعت

(١) بل لأن أهل مكة بالذات كانوا حريصين على إرضاع أولادهم في البادية حفاظا على اللغة الفصحى من أن تختلط في لسان الولد، وذلك لأن مكة مركز تجارى يأتى إليها العربى وغير العربي.

1 / 54