Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
فنقول إثبات الكلام والأمر والنهي يبنى على جواز انبعاث الرسل فإن من أحال كونه متكلما يلزمه أن ينكر كونه مرسلا رسولا ومن جوز على الله تعالى أن يبعث رسولا فذلك الرسول يبلغ رسالات الله لا محالة ورسالاته أوامره ونواهيه وحملها على فعل يفعله في محل بحيث يفهم من ذلك الفعل أنه يريد من المكلف فعلا ويكره فعلا تسليم المسئلة فإن تلك الإرادة التي تتعلق بفعل الغير حتى يفعله إرادة تضمنت اقتضاء وحكما وإلا كانت تمنيا وتشهيا وذلك الذي يسمى أمرا ونهيا وسميتموه إرادة وكراهية فإذا مدلول ذلك الفعل الذي أشاروا إليه هو الذي نسميه الشرع كلاما وأمرا ونهيا وعلى منهاج الحكم الفلسفية إذا انتهى الإبداع والخلق إلى غاية تهيأت الأمزجة المعتدلة لقبول النفس الناطقة التي تفكر بالروية وتتصرف بالاختيار وكان من المختارين بهذه النفس على روية الحق والصواب بالاختيار الأفضل والاجتناب عن الأرذل ومنهم من يتوانى ويكسل حتى يبطل ذلك الاستعداد ويستعمله في جانب الباطل والخطأ واختيار الأرذل والاجتناب عن الأفضل وجب أن يكون من عند الحكيم حكم على هذه النفس الناطقة وهي ملتبسة في هذا البدن الجسماني وحكم عليها وهي مفارقة له فذلك الحكم الأول هو الذي نعني به بأنه أمر ونهي وهذا الحكم الثاني هو الذي نعني به أنه وعد ووعيد ومن نفى هذا الحكم فقد نفى كونه ملكا مالكا لملكه فيكون له خلق ولا يكون له أمر ويكون في جانب المخلوق كله جبرا ولا يكون اختيارا ثم يلزم أن تكون النفوس الناطقة كائنة فاسدة لا معاد لها ولا كمال ولا جزاء على أفعالها ولا ثواب وذلك يبطل قضية الحكمة ونحن نرى من النفوس الحيوانية ما لا يتفاهم بعضها من بعض إلا بإحدى من الحواس الأربع وهي اللمس والذوق والشم والبصر ومنها ما يتفاهم بها وبالسمع أيضا ثم منها ما يكون له مجرد الصوت من غير لحن ومنها ما يكون له مع صوته لحن ثم من أصحاب الألحان ما يكون من ذوات الحروف المقطعة ومنها ما لا يكون إلى أن يبلغ الأمر والحال إلى ترصيع الكلمات من الحروف وترتيب الحروف في الكلمات فيكون ذلك دلالة على ما في النفوس الناطقة وليس كل مرتبة من هذه المراتب من جنس المرتبة التي قبلها لكنها كمالات النفوس بعد كمالات إلى أن تبلغ إلى النفس الناطقة الإنسانية فيحدس منها أن مرتبتها لما كانت فوق مرتبة سائر النفوس دل ذلك على أن مرتبة النفوس الروحانية والأرواح الملكية فوق مرتبة هذه النفوس في التفاهم وكما لا تكون المرتبة التي للناطقة من جنس المرتبة التي للطير والبهائم كذلك لا تكون المرتبة التي للملائكة الروحانية من جنس المرتبة التي لنا بل تكون أشرف وألطف غير أنا بهذا الجنس استدللنا على ذلك النوع كما استدللنا بنوع من الحدس في الأمور الغائبة على نوع من الحدس في أمور الغيب إلى أن يصل الكمال إلى حد من الخليقة فيقف الترتيب في المراتب فيستدل بذلك على أن أمر من له الخلق والأمر فوق الأوامر النطقية الإنسانية والفكر العقلية وأنه بوحدته فكر في معنى كل كلام ونطق وخبر واستخبار وأمر ونهي ووعد ووعيد وإن سمعا يسمع كلامه فوق كل سمع هو مفطور للحرف والصوت كما أن سمعا يسمع الحروف والصوت فوق سمع هو مجبول بمجرد الصوت فنحن إذا لم نستدل بجنس على جنس بل بجنس على ما هو فوق الجنس فبطل استرواحهم إلى التقسيم الذي ذكروه.
ثم نقول آنفا ألستم تقولون أن واجب الوجود من حيث يعطي العقل في المعقول عاقل ومن حيث يعطي البدء في المبدأ قادر ومن حيث يعطي النظام على أتم وجوه الكمال مريد فهلا قلتم أنه من حيث يعطي النطق الروحاني للمفارقات والنطق النفساني لذوات القوالب آمر متكلم ثم هلا حملتم كلامه وأمره على ما حملتم علمه وقدرته وإرادته فيصير التنازع واحدا بيننا ويرجع الأمر إلى مسئلة الصفات فما الذي عدا مما بدا وكيف اشتملت مسئلة الكلام على محال لم تشتمل عليه مسئلة العلم والقدرة عندكم.
Page 96