وقولهم كان صانعا بالقوة أيضا مشترك فإن القوة يراد بها الاستعداد المجرد ويراد بها القدرة والأول غير مسلم والثاني مسلم وهو محل النزاع ولا يحتاج إلى مخرج إلى الفعل.
وأما حل الشبهة الثالثة قال كل علة لا يجوز عليها التحرك والاستحالة فإنما تكون علة من جهة ذاتها غير مسلم بل هو باطل على أصله بالعقل الأول فإنه لا يجوز عليه التحرك والاستحالة وليس علة من جهة ذاته بل هو معلول الواجب الوجود وعلة من جهة كونه واجبا به لا بذاته وكذلك العقول المفارقة لا تقبل الحركة والاستحالة وليست عللا من جهة ذواتها.
ومما يعتمد في إثبات حدث العالم أن نفرض الكلام في النفوس الإنسانية ونثبت تناهيها عددا ثم ترتب عليها تناهي الأشخاص الإنسانية وترتب عليها حدوث الأمزجة وتناهيها ثم نرتب عليها تناهي الحركات الدورية الجامعة للعناصر ثم ترتب عليها تناهي المتحركات والمحركات السماوية فثبت حدث العالم بأسره وهي أسهل الطرق وأحسنها.
فنقول قد تقرر في أوايل العقول إن كل عدد أو معدود موجود بالفعل إذا كان غير متناه بالفعل فإنه لا يقبل الزيادة والنقصان وإن الزايد لا يكون مثل الناقص قط ولا يمكن أن يكون شيء أكبر من مقدار غير متناه لموجود وجد وغير المتناهي لا يتضاعف بما لا يتناهى وإن ما يتناهى من طرف يتناهى من سائر الأطراف والنفوس الإنسانية عند القوم موجودات بالفعل مجتمعة في الوجود وهي قابلة للزيادة والنقصان فإن الزمان الذي نحن فيه قد اشتمل على أشخاص إنسانية متناهية ولكل شخص نفس إذا أضفت تلك النفوس إلى ما مضى من الأشخاص التي بقيت نفوسها كانت الأوائل منها أنقص وهي مع الزيادة أزيد وكذلك في كل زمان وساعة تتزايد النفوس أبدا وما قبل الزيادة في كل وقت يستحيل أن يكون غير متناه وذلك لأن نسبة ما مضى إلى الحاصل كنسبة الناقص إلى الزايد وحيث ما تمادى إلى الأول صار أنقص كما إذا تمادى إلى الآخر صار أزيد ومثل هذا مستحيل فيما لا يتناهى موجودا بالفعل محصورا في الوجود نعم ربما يظن في الموجودات المتعاقبة في الوجود أنها لا تتناهى قبل آخر وآخرا بعد أول وأنها إذا جازت غير متناهية آخرا جازت غير متناهية أولا وهذا الظن وإن كان خطأ عند العقل إلا أن الخيال ربما يعين هذا الرأي لكن الفرض إذا كان في موجودات غير متناهية مجتمعة في الوجود لا متعاقبة أعدادا ومعدودات بالفعل لا بالقوة فيلزمها ضرورة ألا تقبل الزيادة والنقصان إذ لو قبلت وهي غير متناهية لكان الزايد مثل الناقص.
والذي يوضحه أن كل جملة موجودة الآحاد بالفعل إذا زيد عليها عدد معلوم أو نقص منها عدد محصور صار ما لا يتناهى أكثر مما كان أو أنقص.
Page 18