Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
وأما الجواب عن مقالة الصائبة نقول أنتم منازعون في إثبات تأثيرات الكواكب في الأجسام السفلية كل المنازعة ولنسلم لكم ذلك تسليم المساهلة فالسعد والنحس لم يؤثر إلا في الحسن والقبح من حيث الخلقة وذلك غير متنازع فيه وإنما النزاع بيننا في الحسن والقبح من حيث الأمر ولا شك أن الله تعالى حكم في أفعال العباد بافعل ولا تفعل وعلى ذلك الحكم جزى في الدار الآخرة.
فنقول ذلك الحكم غير معلوم ضرورة ولا استدلالا من حيث العقل فوجب التوقف إلى أن يرد به سمع وما قالوه من نفي النبوة في الصورة البشرية فتقرر الحجة عليه في إثبات النبوات وأما المنافع والمضار في الأشياء وكونها معلومة بالعقل فغير مسلم على الإطلاق فإن طريقتها عند القوم وعند الطبيعيين والأطباء هو التجربة والتجربة ما لم تتكرر لم تفد العلم والتكرار فيه غير ممكن لاختلاف طبائع الأشياء بالنسبة إلى مزاج ومزاج وهواء وهواء وتربة وتربة وقط لا تحصل التجربة في شيء واحد باعتبار واحد وأيضا فإن الخواص التي هي وراء كيفيات الأشياء وطبائعها ربما تخالف ما يحصل بالتجربة من الطبائع والخواص عندهم من فيض النفس الكلية على ماهيات الأشياء وربما تحصل آثار كبيرة من مجرد عدد يتركب من أعداد مخصوصة وربما تحصل آثار مختلفة من مجرد أمزجة تتركب من عناصر مخصوصة والمطلع على الماهيات غير الباحث عن الكيفيات والكميات فلا بد إذا من إثبات شخص له اطلاع على الكواكب وعلى ما وراء الكواكب حتى يكون الكل عنده كصورة واحدة فتقرر لخاصية منافع الأشياء ومضارها من جهة الخواص ويحمل العامة على التسليم ذلك جملة وسيأتي تقرير ذلك.
وأما الجواب عن مقالة التناسخية فطريق الرد عليهم أن نبطل مذهبهم في أصل التناسخ وإنكار البعث في الآخرة فنقول أثبتم جزاء على كل فعل تنتهي الأفعال عندكم إلى جزاء محض وهل تبتدي الأجزية من فعل محض فإن قضيتم بالتسلسل فذلك دور محض فإنه إن لم يكن فعل إلا جزاء ولا جزاء إلا على فعل فلم يكن فعل وجزاء أصلا فإنه يتوقف كون الجزاء جزاء على سبق فعل ويتوقف كون الفعل فعلا على سبق جزاء فيكون كل واحد منهما متوقفا على صاحبه فيكون حكمه حكم توقف المعلول على العلة وتوقف العلة على المعلول وذلك محال فلا بد من ابتداء بفعل أولي ليس بجزاء والانتهاء إلى جزاء آخر ليس بفعل وذلك تسليم المسئلة.
ثم نقول ما الدرجة العليا في الخير وما الدرجة السفلى في الشر عندكم قالوا الدرجة العليا في الخير هي الملكية والنوبة والدرجة السفلى هي الشيطانية والجنية.
فقيل لهم لو قتل نبي حية فما ثوابه ولا درجة في الثواب فوق النبوة ولو قتل جني نبيا فما عقابه ولا درجة في العقاب تحت الجنية فيجب أن يعرى أشرف الطاعات عن الثواب وأكبر الكبائر عن العقاب.
ومما يبطل التناسخ رأسا إن كان مزاج استعد لقبول الصورة يلائمها من واهب الصور فإذا فاضت عليه الصورة قارنتها صورة النفس المستحسنة لزم أن يكون لبدن واحد نفسان وذلك محال.
وأما الجواب عن مقالة البراهمة سيأتي على استيفاء في مسئلة إثبات النبوات والرد عليهم فيما يليق بسؤالهم أن الذي يأتي به النبي معقول أو غير معقول.
نقول ما يأتي به النبي معقول في نفسه أي جنسه معقول ويمكن أن يدركه العقل وليس كل ما هو معقول الجنس يجب أن يعقله الإنسان فإن العلم بخواص الأشياء وماهيات الموجودات مما هو معقول الجنس وليس كل إنسان يدركه في الحال فبطل التلبيس الذي تعلقوا به.
القاعدة الثامنة عشر
في إبطال الغرض والعلة في أفعال الله تعالى وإبطال القول
بالصلاح والأصلح واللطف ومعنى التوفيق الخذلان والشرح والحتم والطبع ومعنى النعمة والشكر ومعنى الأجل والرزق.
مذهب أهل الحق أن الله تعالى خلق العالم بما فيه من الجواهر والأعراض وأصناف الخلق والأنواع لا لعلة حاملة له على الفعل سواء قدرت تلك العلة نافعة له أو غير نافعة إذ ليس يقبل النفع والضر أو قدرت تلك العلة نافعة للخلق إذ ليس يبعثه على الفعل باعث فلا غرض له في أفعاله ولا حامل بل علة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه.
Page 137