Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
ثم نقول الواجب في حق الله تعالى غير معقول على الإطلاق والاستحقاق للرب على العبد غير مستحيل حمله فإنه ما من وقت من الأوقات إلا ويتقلب العبد في نعم كثيرة من نعم الله تعالى ابتداء بأجزل المواهب وأفضل العطايا من حسن الصورة وكمال الخلقة وقوام البنية وإعداد الآلة وإتمام الأدلة وتعديل القناة نعم وما متعه به من أرواح الحياة وفضله به من حياة الأرواح وما كرمه به من قبول العلم وآدابه وهدايته إلى معرفته التي هي أسنى جوائزه وحبايه " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " فلا ابتداء الإنعام واجب عليه فعلا ولا إذا قابل نعمة بشكر يسير كان الثواب واجبا عليه لأنه يعد مقصرا في أداء شكر ما أنعم عليه فكيف يستحق نعمة أخرى فمن هذا الوجه لا يثبت قط استحقاق العبد ولا يتحقق قط وجوبه على الرب ثم إن سلم تسليم جدل أنه يستحسن من حيث العادة الشكر على النعم فكذلك يستحسن من حيث العادة أن يتقابل العوضان ويتماثل الأمران قدرا وزمانا ولا يتصور أن يقع التقابل والتماثل بين أكثر كثير النعم وبين أقل قليلها ولا يتحقق التعاوض بين سرمدي الوجود دواما وبين ما لا يثبت له وجود إلا لحظة أو خطرة أو لفظة كما يقتضي العقل إيجاب شيء في مقابلة شيء مكافأة وجزاء كذلك يقتضي اعتبار قدر الشيء في مقابلة قدر وبالاتفاق لم يعتبر القدر فيجب أن لا يعتبر الأصل فإن كنا نستفيد الوجوب من العقل ونعتبر العقل بالعادة فهذا هو قضية العقل والعادة صدقا فكيف يثبت مثله استحقاق العبد وجوبا على الله تعالى.
وأما الوجوب على العبد والاستحقاق لله تعالى فليس من قضايا العقل والعادة أيضا فإنه إذا لم يتضرر بمعصية ولا ينتفع بطاعة ولم تتوقف قدرته في الإيجاد على فعل واحد وحال يصدر من الغير فيستعين به بل كما أنعم ابتداء قدر على الإنعام دواما كيف يوجب على العبد عبادة شاقة في الحال لارتقاب ثواب في ثاني الحال أليس لو رمي إليه زمام الاختيار حتى يفعل ما يشاء جريا على نسق طبيعته المائلة إلى لذيذ الشهوات ثم أجزل في العطاء من غير حساب كان ذلك أروح للعبد وما كان قبيحا عند العقلاء.
Page 133