160

Nihaya Fi Fitan

النهاية في الفتن والملاحم

Investigator

محمد أحمد عبد العزيز

Publisher

دار الجيل

Edition Number

١٤٠٨ هـ

Publication Year

١٩٨٨ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

ويحذر، ولكن انتصر الرسل بجناب الرب ﷿ فكشفوا لِأُمَمِهِمْ عَنْ أَمْرِهِ وَحَذَّرُوهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ الفتن المضلة والخوارق المضمحلة فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواترذلك عَنْ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ عَنْ أن يذكرأمره الْحَقِيرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ العظيم ة وَوَكَلَ بَيَانَ أَمْرِهِ إِلى كُلِّ نَبِيٍّ كَرِيمٍ. فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ ذُكِرَ فِرْعَوْنُ فِي الْقُرْآنِ، وقد ادعى ما دعاه من الكذب وَالْبُهْتَانِ حَيْثُ قَالَ: ﴿أنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى﴾ . النازعات: ٢٤،. وقال: ﴿يَأيهَا المَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِن إِلهٍ غَيْرِي﴾ . [القصص: ٣٨] والجواب: أَنَّ أَمْرَ فِرْعَوْنَ قَدِ انْقَضَى وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ لكل مؤمن وعاقل؟ وهذا أمر سيأتي وكائن فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا لِلْعِبَادِ فَتُرِكَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ احْتِقَارًا لَهُ وَامْتِحَانًا بِهِ إِذْ الأمر في كذبه أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ وَيُحَذَّرَ مِنْهُ، وقد يترك الشيء لوضوحه، كما قال النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِ موته وقد عزم على أن يكتب كتابًا بخلافة الصديق مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَقَالَ: "يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ". فَتَرَكَ نَصَّهُ عليه لوضوح جلالته وظهور كبر قَدْرِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَعَلِمَ ﵊ منهم أَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْرُ، وَلِهَذَا يُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ غَيْرَ مرة في مواضع من الْكِتَابِ، وَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذا القبيل وهو أن النبي قَدْ يَكُونُ ظُهُورُهُ كَافِيًا عَنِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ وَأَجْلَى مِنْ أَنْ يحتاج معه زيادة على ما هو فِي الْقُلُوبِ مُسْتَقِرٌّ، فَالدَّجَّالُ وَاضِحُ الذَّمِّ ظَاهِرُ النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه وهو الرُّبُوبِيَّةِ، فَتَرَكَ اللَّهُ ذِكْرَهُ وَالنَّصَّ عَلَيْهِ لِمَا يعلم تعالى من عباده المؤمين أن مثل هذا لايهدهم ولا يزيدهم إلا إيمانًا وتسليمًا لله ورسوله وتصديقًا بالحق وَرَدًّا لِلْبَاطِلِ وَلِهَذَا يَقُولُ ذَلِكَ

1 / 168