Nida Haqiqa
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Genres
والحق أن هيدجر لم يتوقف طوال حياته عن القيام بهذه المهمة، وتفسيراته التي قدمها عن أفلاطون وأرسطو وديكارت وليبنتز وكانط وفيشته وشيلنج ونيتشه والفلاسفة قبل سقراط بوجه خاص هي خير شاهد على هذا، وكلها تفسيرات محكمة جديرة بالإعجاب، بغض النظر عن مواقفنا المختلفة منها، ويؤكد هيدجر منذ البداية أن منهجه هو المنهج الفينومينولوجي (الظاهرياتي)، لكننا نخطئ لو تصورنا أنه يأخذ ببساطة مفهوم هسرل للظاهريات كفلسفة «ترنسندنتاليه» تصل في مراحلها التكوينية الأخيرة إلى رد كل شيء إلى الأنا (الذات أو الوعي) الخالص (الذي يبقى ولو فني العالم كله)! فالواقع أن هيدجر يحلل كلمتي الظاهرة والعلم اللتين يتألف منهما المصطلح اليوناني الأصلي تحليلا عميقا،
15
ويبرر - مع عرفانه بفضل هسرل عليه - تنصله من الظاهريات فلسفة واتجاها، واستفادته منها نهجا وطريقا للكشف عن أشكال الوجود، إنه، إذا صح تفسيره لها، يجردها من طابعها المطلق من الزمان ويرجعها إلى السياق التاريخي، بل إنه ليجعل منها أنطولوجيا
16
تتجه في صميمها إلى ما يظهر الظاهرة نفسها، أي إلى حقيقة الوجود؛ ولهذا فإن مفهوم الظاهريات على حد قوله لن ينصب على «مائية»
17 (أو موضوعية) موضوعات البحث الفلسفي بل على كيفيتها، وبهذا لن تكون الأنطولوجيا ممكنة إلا إذا أصبحت فينومينولوجيا،
18
أما من ناحية «الموجود الإنساني» فتسصبح الظاهريات تفسيرا
19
أو تأويلا يبين خصائصها وبنيتها: «إن الفلسفة هي أنطولوجيا ظاهرياتية كلية تبدأ نقطة انطلاقها من تفسير الموجود الإنساني الذي ثبت، بوصفه تحليلا لهذا الموجود الإنساني، نهاية مسار كل سؤال فلسفي عند الأصل الذي صدر عنه وسوف يرتد إليه.»
Unknown page