Nida Haqiqa
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Genres
حتى «معطيات» برجسون و«الوعي الباطن بالزمان» لهسرل)، ولكن مشكلة الوجود نفسها لم تكن - على الرغم من كل الأنطولوجيات - قد وضعت في موضعها الصحيح الذي ذكرناه ولا تم فحصها بمثل هذه الرؤية التاريخية العميقة. •••
أعلن هيدجر منذ بداية الكتاب أن تناول مسألة الوجود يقتضي مهمتين يقابلهما تقسيم الكتاب إلى قسمين؛ فأما القسم الأول فيتناول تفسير «الموجود الإنساني» (الدازاين) من جهة تفسير الزمانية بوصفها الأفق «الترنسندنتالي» الذي ينظر منه إلى السؤال عن الوجود، وأما القسم الثاني فيشرح المعالم الرئيسية لما يسميه «التحطيم الفينومينولوجي» لتاريخ الأنطولوجيا على هدى من مشكلة الزمانية (والكلمة الأصلية للتحطيم توحي بالكلمة الحديثة عن التفكيك وتستبقها)، ثم أعلن بعد ذلك أن القسم الأول سيتفرع إلى ثلاثة فصول: التحليل الأساسي للموجود الإنساني، الموجود الإنساني والزمانية، والزمان والوجود ،
6
وجدير بالذكر أن هيدجر لم يكتب هذا الفصل الثالث والأخير، وبقي كتابه أشبه بتمثال ناقص أو شذرة لم تتم، ولعل هذا الجزء المفتقد كان سيكون من أهم أجزاء الكتاب، بل لعله أهمها جميعا، مهما يكن من شيء، فإن الفيلسوف لم يتم كتابه واستعاض عن هذه المهمة بما قدمه بعد ذلك من بحوث ودراسات ومحاضرات، لعل من أبرزها كتابه عن كانط ومشكلة الميتافيزيقا (الذي يمثل الفصل الأول من الجزء الثاني الذي لم يضعه حتى اليوم!) ومحاضرته المعروفة «ما الميتافيزيقا؟»
7
وكتابه «المدخل إلى الميتافيزيقا». •••
يبدأ هيدجر أول صفحات كتابه بالسؤال عن معنى الوجود، وكان حتما أن يكون هذا السؤال مثار الدهشة، ففيم السؤال اليوم عن الوجود والفلاسفة منذ القدم لا يسألون إلا عنه؟! وعلام قامت الأنطولوجيا إلا على أساس فكرة الوجود، وعم بحثت الميتافيزيقا في تاريخها الطويل إلا عن معنى الوجود؟
إن السؤال ليس جديدا بالطبع، وهيدجر نفسه يعترف بهذا ويقدم لكتابه بنص من أفلاطون من محاورة السفسطائي، ولا بد أن نقرأ معا هذا النص ونقف عند تعليقه عليه؛ لأنه سيكون نورا يكشف لنا ظلمات الكتاب ويهدينا في متاهاته: «لأن من الواضح أنكم تعرفون منذ عهد طويل المعنى الذي تقصدونه عندما تستخدمون تعبير «الموجود»، أما نحن فقد اعتقدنا حقا فيما مضى أننا نفهمه، ولكننا الآن حائرون في شأنه».
8
ويريد هيدجر بهذا النص أن يذكرنا بأن السؤال القديم قدم الميتافيزيقا نفسها، وهو لا يبغي منه أن يصلنا بالتراث، بل يريد أن يتحدى هذا التراث ويحملنا على التفكير فيه أو بالأحرى على «تحطيمه» وخلخلته وتصفيته مما تراكم عليه من رواسب شوهت مقصده الأصلي أو حجبته وألقت به في زوايا النسيان، وهو يعلق على النص فيسأل: أعندنا اليوم جواب على السؤال عما نقصده حقا حين نستخدم كلمة «موجود»؟ كلا؛ ولهذا ينبغي أن نطرح السؤال عن معنى الوجود من جديد، أنحس اليوم الحيرة والارتباك لأننا لا نفهم تعبير «الوجود»؟ كلا؛ ولهذا يتعين علينا قبل كل شيء أن نوقظ الفهم لهذا السؤال. إن تناول السؤال عن معنى الوجود هو الغرض من هذا الكتاب، وتفسير الزمان، باعتباره الأفق الممكن لكل فهم للوجود بوجه عام، هو الهدف المؤقت منه.
Unknown page