Nazariyyat Tatawwur Wa Asl Insan
نظرية التطور وأصل الإنسان
Genres
نشأة المجتمع البشري
أصل الطبيعة في الحيوان أن يكون انفراديا؛ لأن تجمع الأفراد في جماعات يجعل الحصول على القوت شاقا، كما يحمل الأفراد المجتمعين على التنازع والتقاتل من أجل هذا القوت، وإنما ينشأ الاجتماع بعد ذلك للاحتماء من العدو، أو لصيد الحيوانات الكبيرة؛ كالفيل أو الثور أو الفرس؛ لأن في الاتحاد قوة لا تتاح للفرد.
وعندما نتأمل الحيوانات الاجتماعية العليا نجد أن بينها جميعا صفة عامة، هي أن أولادها تقضي قسما كبيرا من أعمارها في الرضاع والطفولة، والطفل حين يرضع أمه يتعلق بها ويجري خلفها ويطاوعها ويفهم إشارتها في التخويف أو الترغيب، ثم إن أطفال الحيوانات هذه يألف بعضها بعضا بالرضاع والاشتراك في الأم؛ فالتعلق بالأم أولا، ثم الألفة بين الأطفال الرضع ثانيا، كلاهما يغرس في الأطفال الحب والتضامن، ومن هنا بداية المجتمع الحيواني.
وقد يشترك الأب مع الأم والأولاد في عائلة واحدة، فيزيد التضامن وتعود هذه العلاقات العائلية أصلا للعلاقات الاجتماعية في القبيلة، كما نرى في الإنسان، ومن المعقول أن تكون جماعات الإنسان الأولى جماعات عائلية فقط تتألف من الأب والأم والأولاد، ولكن قد يموت الأب لحادث ما فتبقى العائلة متماسكة بقوة الألفة السابقة.
وواضح أن الإنسان قضى مئات الألوف من السنين وهو لا يعرف الزراعة؛ إذ كان يعيش بالترحل، يأكل ما يعرض له من جذور أو فواكه برية، ويصيد ما يستطيع من الحيوانات، وكان الأولاد ينتسبون للأم؛ لأن الإنسان لم يكن يعرف أن الرجل ضروري للتلاقح، وكان يعتقد أن الاتصال الجنسي لا يقصد منه غير اللذة، وأنه لا علاقة له بالتناسل.
ولهذا السبب كانت جميع الأمم القديمة تنسب إلى الأم، ويتضح هذا اتضاحا ظاهرا عند قدماء العرب؛ حيث نجد أن كثيرا من أسماء القبائل ينتسب إلى الأم، وما دامت القبيلة مترحلة فإن النظام يبقى أمويا، ونرى برهان هذا في اللغة العربية؛ فإن كلمة رحمة تعود إلى الرحم؛ أي إنها العلاقة القائمة بين الأخوة من الأم، وكذلك كلمة «الحماة» فإنها والدة الزوجة، ومعنى هذا أن الزوجة التي هي محور العائلة تحتمي بأمها، وزوجها تابع لها يحتمي أيضا بهذه الأم، ثم هناك الخال وهو شقيق الزوجة، وقيمته كبيرة جدا عند قدماء العرب، ثم كان هناك أيضا عند قدماء العرب زواج الضمد، وهو أن تتزوج المرأة جملة رجال في وقت واحد، فلا يعرف الأولاد لهم أبا، وإنما يعرفون الأم فقط.
ولا تزال القبائل في جزيرة تروبرياند (Trobriand)
من جزر البحر الجنوبي بين أستراليا وآسيا تعيش على النظام الأموي إلى الآن؛ فالسكان ينتسبون إلى الأم وللحموات والأخوال قرابة يعترف بها، ولكن ليس للأب أية قرابة بالأولاد، وعلاقته الجنسية بزوجته لا تعد في زعمهم أصلا للتناسل. (مجتمع غوريلي، يرى زعيمه واقفا إلى اليمين، وبيت الجماعة عند أصل الشجرة بين جذورها؛ حيث ترى إحدى زوجات الزعيم قاعدة ومعها طفل. وجماعات الغوريلا يترجح عددها بين 10 و20 فردا)
ولكن النظام الأبوي نشأ بعد استقرار الزراعة؛ لأن الزراعة جمعت الأب والزوجة والأولاد والماشية في مكان لا يتغير، وصار هو الرأس الذي يحكم ويتحكم، فصار الانتساب إليه مكان الانتساب إلى الأم.
وبارتقاء المجتمع صارت صفات الارتباط بين العائلة صفات الارتباط بين القبيلة والأمة، كما ترى في كلمة «الرحمة»، وكما صرنا نحن نقوم بالإخاء بين الناس كالأخوة بين ذوي الأرحام.
Unknown page