Nazariyyat Tatawwur Wa Asl Insan
نظرية التطور وأصل الإنسان
Genres
أي إن الحيوان يكافح الوسط، ويقاتل ويناضل، فتنشأ فيه كفايات تساعده على البقاء، وإذا لم يحتج الحيوان إلى مكافحة وسطه انحط ونقصت كفاياته، فإذا تغير الوسط عجز عن المقاومة فانقرض.
وليس من الضروري أن ترى عوامل البقاء ظاهرة، فقد تكون خفية دقيقة لا تعرف مأتاها؛ فقد يمتاز غزال على آخر بأن معدته تهضم الأعشاب الجافة أكثر منه، أو لأن بعض الحشرات الناقلة للأمراض لا تستطيع أن تخرق جلده، أو لأنه يقدر على الإمساك عن ورود الماء وقت الخطر وغيره لا يقدر، أو لأنه يشم رائحة ضواري الوحش بينما غيره لا يستروحها أو لا يبالي بها، بل قد تكون دقة السمع عامل بقاء في حيوان، بينما يكون الصمم الخفيف سببا في انقراض آخر.
فالأحياء تولد مختلفة، وكل اختلاف إما أنه يفيدها فيكثر نسلها، وإما أن يضرها فتبيد ، فإذا تراكم الاختلاف نشأت السلالات المختلفة من النوع الواحد، ثم يتراكم الاختلاف في السلالات حتى تصير السلالة نوعا قائما برأسه؛ وذلك لأن التنازع على البقاء يتناول التنازع على الأنثى؛ فالحيوان القوي الجريء يتغلب على أكبر مقدار من الإناث ويلحقها دون غيره، وتنتشر صفاته التي ساعدته على التغلب.
ونحن لكوننا نعيش عيشة مدنية قد ضعفت بصيرتنا في إدراك ضروب التنازع التي يستعملها الحيوان والنبات؛ فالنبات يتنازع على نشر نوعه بعدة طرق: فمنه ما تكون بذرته كاسية بنسيج خفيف كالقطن؛ كي تحملها الريح وتلقيها في مكان بعيد عن أمه، حتى يجد بسطة في النور والغذاء، ومنه ما تكون بذرته كاسية بالزغب حتى تعلق بأي حيوان يمر، فيذهب بها إلى مكان بعيد حيث تسقط منه وتنبت، ومنه ما يكون له زهر زاه يجذب الحشرات، تنزل إليه وتجرع من رحيقه، ثم تتلوث بلقاحه، وتنقله من الذكر إلى الأنثى فيتم اللقاح، ومنه ما يكون ورقه مر المذاق حتى لا يطعمه الحيوان، ومنه ما يكون ساما، إذا أكله الحيوان تسمم ومات، فتنشأ البذرة في سماء الجثة وتزكو، ومنه ما تكون أوراقه حافلة بالحسك فلا ترعاها بهيمة.
وكذلك الحال في الحيوان؛ فمثلا: السمك يكون في طفولته دقيقا شفافا لا يرى من خلال الماء، فآلته في الدفاع عن نفسه، وهو بعد في ضعف الصغر، هي شفوفته التي تخفيه وتواريه عن عين عدوه، فما كان منه صفيق الجسم ظاهره مات، ومنه ما يكون ظهور لونه داعيا غيره إلى مباعدته والحذر منه؛ كالزنبور والنحلة، فلكل منهما إبرة يؤذي بها من يقترب منه من الطيور، ولونهما مشهور ظاهر حتى يقتصد الطائر في قوته، ويتجنبهما ويريحهما من عناء القتال.
ولسائل أن يسأل: كيف تطور الزنبور وصار ذا حمة تلسع وتسم؟ فجواب ذلك أنه في الزمن القديم الذي يحسب بملايين السنين كانت الزنابير بلا حمة سامة، وإنما كان لها إبرة تخترق بها الورق أو غير الورق عندما تريد أن تبيض، كما هو الشأن في أكثر الحشرات، وفي أجزاء جسم بعض الحيوان سموم مختلفة ؛ فبراز الإنسان - مثلا - وبوله، وبعض عصارات جسمه، فيها بعض السموم، فإذا اتفق أن ظهر زنبور بإبرة حادة وشيء قليل جدا من السم، فإنه يبقى دون غيره من الزنابير التي تلتهمها الطيور لقمة سائغة، فهذا الزنبور يعيش، وتنتشر سلالته، وتقوى فيه خاصة اللسلع والسم، ويظهر له لون خاص يميزه، فتحذره الطيور، بينما هي تبيد كل الزنابير التي خلت من هذه الخاصة.
وخلاصة قولنا أننا لا نعرف لماذا يتطور الحي؛ حيوانا كان أم نباتا، وإنما نشاهد أدلة هذا التطور، ويمكننا أن نعرف علله الغريبة:
فأولا:
تختلف جميع الأحياء الواحد عن الآخر، فليس في العالم فردان يتطابقان من كل الوجوه في جميع صفاتهما.
وثانيا:
Unknown page