Nazariyyat Tatawwur Wa Asl Insan
نظرية التطور وأصل الإنسان
Genres
هذا الخط؛ خط الغريزة، يعم أكثر من 99 في المئة من الأحياء؛ أي الحيوان والنبات، وهي لأنها غريزية لا تدري وجودها؛ فهي في غيبوبة، أو تكاد تكون كذلك.
أما الخط الآخر فيتجه نحو الوجدان؛ أي الوعي الذي يبلغ ذروته في الإنسان، فنحن ندري أننا موجودون، ولذلك نتعقل؛ لنا أمس وغد، ولكننا مع ذلك لم نخل من الجهاز الغريزي كالنبات والحشرات؛ فالطفل يرضع أمه بالغريزة، كما ترشف النحلة رحيق الزهرة بالغريزة، أو كما يمتص النبات غذاءه من الأرض بالغريزة، ونحن نهضم طعامنا بالغريزة، فنقبل الحسن منه ونقيء السيئ كما يفعل جذر الشجرة.
ولكن الوجدان هو الذي نزن به الظروف والأشياء، ونقابل بينها ونتعقل، وهو يتركز في الدماغ، وعلى قدر هذا الدماغ الأعلى - وليس الدميغ الخلفي السفلي - يكون الوجدان، وإذا نزع هذا المخ في الحيوان؛ كالكلب مثلا، ارتد إلى غريزته، فيسلك ويتصرف كما لو كان نملا أو نحلا.
وعندما تحتد الغريزة نسميها عاطفة، وعواطفنا في الغضب والخوف والشهوة لا تزال قوية عنيفة، مما يدل على أن جهازنا الغريزي لا يزال قويا، ولكننا صائرون بالوجدان والتعقل إلى التغلب عليه.
وحتى عندما نسير مع السيكلوجيين السلوكيين ونقول إن تفكيرنا يرجع إلى الرجوع الانعكاسية المكيفة الأول، فإن هذا القول لا ينقض اعتمادنا على العقل، بالمقارنة إلى الحشرات التي تعتمد على الغريزة.
فمستقبلنا هو زيادة التطور في العقل، وكما أن الزرافة استطاعت أن تزيد طول عنقها إلى نحو مترين كي تصل إلى الغصون الطرية العالية أو إلى الأعشاب الأرضية البعيدة، فإننا نحن كذلك نستطيع أن نزيد الدماغ البشري، الذي هو آلة التفكير، حجما ومساحة، فنزيد قدرتنا على التفكير المنطقي، ويزيد وجداننا؛ أي وعينا ودرايتنا بالعالم والكون وبأنفسنا أيضا.
وقد ظهرت «غيبيات» جديدة عند بعض الدراسين للتطور، وفي مقدمتهم برجسون «الفيلسوف» الفرنسي؛ فإنه يقول بأن الحياة مبدأ، أو عنصر، أو فكرة مستقلة عن المادة، وإنها إنما تستخدم المادة فقط كي تبدو أو تتمثل في أجسام الأحياء؛ كأن هناك حياة مجردة بدون أحياء، بل إنه ليتمادى بعد ذلك حتى ليقول إنه ليس بعيدا أن تتخلص الحياة من المادة في المستقبل وتحيا الأحياء بلا أجسام!
وهذا كله عبث في التفكير، وهو ردة إلى أفلاطون حين كان يقول أن البياض سبق الشيء الأبيض وله وجود مستقل، وأن الإنسانية سبقت الإنسان ولها وجود مستقل؛ أي إن الفكرة سبقت المادة، وما دخلت الغيبيات قط في علم أو فلسفة إلا أفسدتهما، وأقل ما يقال في الرد على برجسون وأفلاطون إننا إلى الآن لم نر سوى الأجسام الحية، ولم نر الحياة المجردة، ولم نر العقل المجرد، وإنما عرفنا الأحياء التي تحمل هاتين الخاصتين فقط.
نشأة الحياة الأولى
رأى العلماء أن الأرض كانت قطعة من نار قد انفصلت عن الشمس ثم أخذت تبرد، وأول ما يبرد منها هو - بالطبع - قشرتها لإشعاع الحرارة منها.
Unknown page